دعونا لا نيأس!

آراء 2019/07/11
...

حارث رسمي الهيتي
 

قبل باكو كانت بابل، وقبل أن تعرف الأولى طرقها الاقتصادية وأهمية موقعها الجغرافي الذي بفضله تحولت الى قبلة للسياحة اليوم عرفت بابل تعبيد الطرق وطراز العمارة الجميلة، وقبل الامم المتحدة ومنظمة اليونسكو وقوانينها كانت مسلة حمورابي الرائعة تلك المسلة التي وضعت للعمال حداً أدنى للأجور، وحاربت الفساد والكذب حتى انها عاقبت المرأة المرضعة بقطع ثدييها في حال كذبت على أهل الطفل الذي ترضعه ولم تخبرهم بأن طفلاً كانت ترضعه قبل مولودهم هذا قد مات،

 بابل شاغلة الدنيا قبل آلاف السنوات، شيدوا أسوارها وطرقها، اسواقها وجنائنها المعلقة تحفة الكون وآسرة الانظار، الا اننا ورثة بابل وعظمتها لم نحترمها جيداً كذلك لم نقدرها، فخرجت من لائحة التراث الانساني العالمي قبل عقودٍ ثلاثة، ورغم محاولاتنا الخمس التي باءت بالفشل، نجحنا هذه المرة في اعادة ادراجها على تلك اللائحة، أي أسى هو ذلك الذي يجعلنا نحاول اقناع دول العالم اليوم بضرورة أن تكون بابل تراثاً عالمياً انسانياً من جديد، وباعتبارها تحفة خلقها الانسان لحضارة كانت واندثرت ودونت للانسان جزءاً من تاريخ الارض ومسيرته فيها فقد أدرجت هذه المرة على اللائحة الدولية ولكن بشروط عدها البعض مستحيلة فيما تؤكد الجهات المختصة بأنها ستبذل جهوداً كبيرة من اجل توفير مستلزمات ذلك الاعتراف، وتشترط المنظمة إزالة التغييرات التي طرأت على المدينة الأثرية ومنها إنَّ أنبوباً للنفط يجب إزالته اضافة الى قصر الطاغية الذي تم تشييده ليكون على مقربة من تراث “أجداده” حسب ما يدعي وحسب ما وصفه الكثير من المتملقين من الكتاب والشعراء باعتباره وريثاً لحمورابي وقريباً لنبوخذ نصر، وهذا يتطلب أن ينجز العراق تعهداته قبل شباط المقبل حيث ستكون هنا اللجنة المشرفة على الموضوع.
العجيب الذي أثار استغرابي هو ان الكثير من العراقيين قابل هذا الخبر بعدم اهتمام ان لم أقل بسخرية، وهذا التصرف له ما يبرره، فقبل ذلك كانوا قد سمعوا بأن الأهوار التي جاهد صدام كثيراً للقضاء عليها وعلى أهلها وتاريخها وتراثها قد أدرجت ايضاً قبل سنوات على اللائحة نفسها، ولم نتلمس بأن شيئاً قد تغير أو طرأ عليها، وأهل بابل أيضاً يعرفون أن شيئاً لن يصيبهم من “نعيم” ان تصبح مدينتهم تراثاً انسانياً، وهذا تتحمله الحكومات المتعاقبة التي أهملت كل شيء تقريباً، لا يتحمله الدكتور عبد الامير الحمداني وزير الثقافة الحالي وفريقه الذي عمل مخلصاً من أجل انجاز هذه القضية، حكومات تركت المواطن يواجه مجهولاً منذ عقود والى اليوم ولم تلتفت اليه فكيف بآثار السابقين؟
على أية حال، التحديات التي تواجه الحكومة العراقية بعد أن رفعت بابل وآثارها من لائحة الآثار تحت الخطر كبيرة، نعم هي وحسب تصريح السيد وزير الثقافة فقد خصصت الحكومة العراقية مبالغ مالية لانشاء مرافق سياحية وبنى تحتية في الاهوار ومن ثم تم تخصيص اموال اخرى للاهتمام ببابل وآثارها وتعويض اصحاب البساتين المحيطة بالمنطقة فهم يمتلكون سند حجية عثماني، أن تكون بابل تراثاً انسانياً عالمياً هذا يعني أن يحترم الجميع هذا الانجاز، فلا فرق بين من انهال بمعوله على آثارنا في الموصل وهدمها وسط الذهول الذي اصاب العالم في حينها وبين من يتعمد أن يحط من قدر بابل وتاريخها، بين من لا يفتخر باسمها أو يحاول جاهداً أن يتنكر لهذا التاريخ، لا فرق بين دكتاتور يضع اسمه على طابوقها التاريخي وبين من يريد أن يمنع عنها كل شيء، بابل عادت من جديد تراثاً انسانياً عالمياً وعلينا ان نعمل جميعاً من أجل ان ننجح هذه المرة في تحويلها الى موقع سياحي تقبل عليه الناس من شتى اصقاع الارض وحسناً فعل ممثل العراق لدى منظمة اليونسكو حين اخبرهم هناك:
ما هي لائحة التراث العالمي من دون بابل؟ كيف سنخبر تاريخ الانسانية من دون أول فصولها؟!