لندن: دلال جويد
بين سطور الشعر ودقة حسابات الهندسة، ينسج الشاعر والمهندس العراقي هاني الجوراني رحلة إبداعية متفردة تجمع بين الفكر والحس. ولد في العراق، ثم هاجر إلى بريطانيا فصقل شغفه العلمي والشعري، وحصل على شهادة البكالوريوس في هندسة البترول من جامعة London South Bank University عام 2010، وتبعها بدرجة الماجستير من جامعة Heriot-Watt University في إدنبرة عام 2012.
وإلى جانب مسيرته المهنية المتميزة كمهندس مكامن في شركة Schlumberger، يحمل الجوراني لواء الشعر الشعبي العراقي، مكرسًا جزءًا كبيرًا من حياته للحفاظ على التراث الثقافي ونشره في المهجر. وقد أسس ملتقى الشعر الشعبي في بريطانيا عام 2023، ليكون منصة للإبداع العراقي. نظم عبر هذا الملتقى العديد من الفعاليات الثقافية، أبرزها مهرجان لندن للشعر الشعبي بنسختيه الأولى والثانية، وأمسيات أخرى في عدة مدن بريطانية منها مانشستر وبيرمنجهام.
كما يشتهر بدوره التعليمي، حيث يقدم محاضرات في جامعات بريطانية مرموقة مثل Imperial College وCoventry University، إضافة إلى أعماله التطوعية التي تهدف إلى دعم الشباب العربي والعراقي.
وفي حوار خاص بمناسبة اقتراب مهرجان الشعر الشعبي القادم في لندن، حدثنا الجوراني عن بداياته مع الشعر الشعبي، قائلاً:
بدأت رحلتي مع الشعر الشعبي منذ سن مبكرة، حيث كان الشعر جزءًا أساسيًا من حياتي اليومية في العراق. نشأت في بيئة ثقافية غنية بالأمثال الشعبية، الأغاني والقصائد التراثية التي كانت حاضرة في كل تفاصيل الحياة اليومية. هذا الجو المشبع بالكلمات والأوزان الشعرية ساعدني على تطوير علاقة عميقة مع الشعر منذ الطفولة”
*كيف أثر الانتقال إلى بريطانيا على مسيرتك الشعرية؟
الانتقال إلى بريطانيا كان له تأثير عميق على مسيرتي الشعرية، فقد فتح أمامي آفاقًا جديدة من الإلهام والتحديات. البيئة الثقافية المتنوعة هنا أتاحت لي التفاعل مع ثقافات وأساليب فنية مختلفة، مما أثرى كتاباتي وأضفى عليها أبعادًا جديدة. كما جعلني الاحتكاك بجمهور غير عربي أتعلم أساليب تعبير أكثر عالمية، وهو ما أضاف نكهة مميزة لنصوصي مع الحفاظ على هويتها الشعبية العراقية.”
*برأيك، ما الذي يميز الشعر الشعبي العراقي عن غيره من أنواع الشعر العربي؟
الشعر الشعبي العراقي فريد جدًا، فهناك حرارة ولوعة وحزن خاص تجدها في قصائده. لكنه ليس الحزن الذي يدعو للانكسار، بل حزن ملهم يعكس قوة وإبداعًا، كما قال مظفر النواب: مو حزن، لكن حزين. إلى جانب ذلك، تجد الصور الشعرية الكثيفة والتعبيرات العميقة حاضرة بقوة في الشعر العراقي، مما يجعله متميزًا عن
غيره.”
* ما الدور الذي يؤديه الشعر الشعبي في توثيق التراث والثقافة العراقية؟
الشعر الشعبي هو أحد أهم أعمدة الهوية الثقافية العراقية. إنه يعكس القيم والعادات والتقاليد، ويوثق الأحداث اليومية بأسلوب بسيط ومؤثر. الشعر الشعبي دائمًا حاضر في الأفراح والأحزان وحتى في الثورات، ما يجعله مرآة صادقة للواقع العراقي عبر الأجيال.”
*حدثنا عن فكرة تأسيس ملتقى الشعر الشعبي في بريطانيا، وكيف انطلقت هذه المبادرة؟
فكرة ملتقى الشعر الشعبي انطلقت عام 2023 بمبادرة من مجموعة من الشعراء ومحبي الشعر الشعبي العراقي في بريطانيا. أردنا أن يكون هناك منصة تجمع بين الأجيال، وتعرّف الشباب المغترب على التراث الثقافي العراقي. الملتقى يقدم مساحة للشعراء لنقل إبداعاتهم، ويحافظ على المفردة الشعبية من خلال الأمسيات والمهرجانات التي نظمناها في لندن ومانشستر وبيرمنغهام.”
*ما هي أبرز التحديات التي تواجهكم في تنظيم فعاليات الملتقى في بلد أجنبي؟
أكبر تحدٍ هو التمويل، فالملتقى مستقل تمامًا ولا يتلقى دعمًا من أي جهة. كل التكاليف تأتي من الشعراء وأصدقائهم. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات تتعلق بتنظيم الفعاليات واستقطاب الجمهور في بلد مثل بريطانيا، حيث التقاليد الثقافية مختلفة.”
*كيف تسعون لجذب الشباب المغترب للانخراط في فعاليات الملتقى؟
نسعى لجذب الشباب من خلال الأمسيات والمهرجانات التي تنظمها الملتقى، وأيضًا من خلال التواجد في المحافل الثقافية. نركز على تقديم فعاليات تلامس قضايا الشباب المغترب وتعبر عن هويتهم الثقافية، لنشجعهم على المشاركة والانخراط.”
*ما الذي يميز مهرجان الشعر الشعبي في لندن عن غيره من الفعاليات الثقافية العراقية؟
الميزة الأساسية هي أنه يركز على الشعر الشعبي، بينما معظم الفعاليات الثقافية العراقية تعتمد على اللغة العربية الفصحى. نحن نقدم مساحة للغة المحكية التي تعبر عن اللهجة الريفية والبدوية، ما يجعل المغترب يشعر وكأنه في وطنه.
*ما هي أهم المحطات التي مر بها المهرجان منذ انطلاقه؟
أهم محطة كانت إطلاق النسخة الأولى من المهرجان في عام 2023. بعدها، توسعنا لنقيم مهرجانات وأمسيات ناجحة في مدن أخرى مثل مانشستر وبيرمنغهام، مما عزز حضورنا بين الجاليات العراقية في بريطانيا.”
*كيف يمكن للشعر الشعبي العراقي أن يسهم في تعزيز الهوية الثقافية للمغتربين؟
الشعر الشعبي يعكس جزءًا عميقًا من الهوية الثقافية العراقية. في الغربة، يصبح الشعر وسيلة للتعبير عن الحنين والوحدة والتمسك بالجذور، وهو ما يعزز ارتباط المغتربين بوطنهم الأم وقيمهم الأصيلة.”
*ما الجديد الذي تعد به ملتقى الشعر الشعبي هذا العام؟
نستعد لإطلاق النسخة الثالثة من مهرجان الشعر الشعبي في لندن، ولدينا مفاجآت عديدة في التخطيط. التفاصيل سنكشفها قريبًا!