أرصفة ضيقة

آراء 2019/07/11
...

زهير الجبوري
 

في واقعنا العراقي اليومي المعاصر، أو في واقعنا الآني المعاش، ثمّة مشاهد وشواهد تثير العجب، بل تثير أسئلة لا تزال حاضرة في أذهاننا منذ أنْ أقنعنا أنفسنا مراراً وتكراراً بما يسمى بـ(زمن الحرية)، أو زمن الانفتاح وسقوط الايديولوجية والخطاب الواحد، ربما هي قراءة ثانية لسلوكيات لا متمركزة في عالم الفوضى، وحتى التشتت ومحاولة إبراز حالة معينة من حالات الخطاب الفكري والديني في عراق ما بعد 2003 يتمركز في منطقة شديدة الحساسية في كسر نسق خارطتنا المكانية التي عشنا تفاصيل تخطيطها منذ عقود من السنوات، وهنا أعني الأماكن المرسومة للمارة من الناس، أو الأماكن المخطط لها أنْ تكون حيزاً ترفيهياً ضمن ما خطط له في خارطة المدن وأحيائها،

 الآن وبعد أكثر من عقد ونصف العقد من سنوات الاحتلال، ودخول ظواهر العولمة وآلياتها الالكترونية بكل حيوية وقوة الى المواطن العراقي، وانفتاحه الكبير على العالم، وما الى ذلك من تفصيلات نعيشها الآن بوضوح، نطرح مسألة غاية في الأهمية، لماذا نشاهد خرقاً في نظامنا المكاني ووضوح التجاوز على حقوق الإنسان العراقي في أخذ حريته الشخصية في السير على الأرصفة وهي تُستغلُّ من قبل البعض لمصالحهم الشخصيَّة في استثمارها غير الشرعي، ولنتائجها السلبيَّة موضوع يطول الحديث عنه، وهنا لا أعني مدينة بغداد (المركز أو العاصمة) فحسب، إنما في أغلب المدن العراقية التي زرتها في نفسي، ربما لأنَّ نظري له خصوصية ناقدة تحاول جعل كل الأشياء في منظور متوازن، والتوازن كمعيار شخصي يجعلني بكل جدارة أطرح موضوعي بوضوح.
أنْ يكون الرصيف مشروعاً نفعياً من قبل البعض القليل من الناس فهذا يؤكد غياب العين المسؤولة من قبل أصحاب الشأن في الدولة (في الرقابة التابعة للمؤسسة الحكومية)، وإذا كان التجاوز آفة تنخر في جوف الأمكنة العامة، فإنَّ غياب التدقيق من قبل بعض الموظفين الذين يتسلمون رواتب مناسبة قياساً لسنوات الحصار، يعدُّ كارثة حقيقيَّة لا يمكن السكوت عنها، أو لا يمكن عدم كشفها والتستر عليها، لأننا إزاء إعادة حساباتنا للصالح العام، نحن نريد عراقاً يبتكر ويؤسس ويبني لأهله ما يليق به وبتاريخه، هو ذاته العراق الذي أنجب كبار المهندسين والمصممين، أنجب زهاء حديد المعمارية التي ابتكرت أشكالها التصميميَّة ونفذت في أهم الأماكن في العالم.
في طروحاته المهمة عن المكان، يكشف الناقد ياسين النصير عن حالة حساسة جداً، حالة تنطوي على علاقة المكان بالشخوص من الناس ولكلٍ بيئته الخاصة، موضحاً الأسباب التي تخلق شحنات متداخلة مع بعضها، تنتج سلوكاً معيناً، وحين يحدث خلل في هذا المكان (تضييقه أو قطعه أو إلغاؤه)، يظهر العنف كرد فعل لذلك، وقد استعار النصير هذا التوصيف العلمي للحالة من علماء الاجتماع، حيث ردة الفعل للعنف والانفعال تكون البديل للرفض، فكيف لبلد كامل بمدنه ونواحيه وأقضيته وحتى أنهاره وجداوله، يخترق بطرق بشعة وغير مدروسة.؟!
وربَّ سائلٍ يسألُ عن العديد من الأرصفة والشوارع التي سدّت بسبب الأوضاع الأمنية التي مررنا بها في سنوات الإرهاب والقتل، الآن وبعد مراحل بطولية أعيدت هيبة الدولة تدريجياً، بل وكانت هناك ملامح براقة وبنسبة كبيرة في انتهاء الزمن الدامي، لمسنا وشاهدنا فتح العديد من الشوارع والأرصفة، وهي خطوة مباركة تحسبُ لكل من أسهم فيها من مسؤولين وقادة وأناس يتمتعون بوطنية عالية، هذه هي المرحلة الأولى، وهي خطوة تبشر بقدوم حياة فيها طمأنينة للجميع، بل فيها إعادة قراءة لفتح العديد من المشاريع المؤجلة، أما الخطوة التالية التي نريدها أو نتمنها، فتنطوي على إعادة النظر في مسألة التجاوزات التي أصبحت ظاهرة مرعبة في مدننا العراقية كافة، وإعادة النظر في بعض إجـــــــــــازات البناء التي تعطي الضوء الأخضر في تحويل دار للسكن الى مشروع تجاري يضيق من أنفاس هذه الأماكن، وأعتقد أنَّ الموضوع فيه من التفصيلات الشيء الكثير عند أصحاب الشأن من المختصين. نقول كلمتنا لشعورنا الكبير ببيئتنا التي نريدها مثل كل الأماكن المصممة تصميماً عصرياً في المدن العربية والعالمية الأخرى.