نبيه البرجي
مثير كلام المفكر الأميركي جوزف ناي عن "رقصة الغاتيات في رأس دونالد ترامب". صاحب نظرية "القوة الناعمة" و"القوة الذكية" احتار في توصيف استراتيجية الرئيس الأميركي هل هي "استراتيجية الحثالة"، باعتبارها تقوم على "المال البشع"، أم هي "استراتيجية اللامعقول"، وحيث التساؤل ما اذا كان كاليغولا في البيت الأبيض أم بوزو، المهرج الأكثر شهرة في العالم. النجم الهوليوودي ريتشار رأى في توقيع القرارات التنفيذية أمام الكاميرات أقرب ما يكون إلى "حفل التعري في أعلى مكان من العالم". لكن ترامب لا يكترث، بما وصفه بـ"غبار الأحذية"، وهذا ما حمل النجم الآخر روبرت دو نيرو على وصف لسان الرئيس الأميركي بـ"سكين الاسكافي".
على مدى أربع سنوات سلسلة صارخة من العجائب والغرائب. المشكلة في الدستور الذي أناط به صلاحيات الآلهة. هكذا يريد أن يجعل من كندا الولاية الحادية والخمسين، وأن يشتري غرينلاند من الدنمارك، وأن يضع يده على قناة بنما، كما يغيّر اسم خليج المكسيك إلى "خليج أميركا". لن نفاجأ قبل مغادرته المكتب البيضاوي (وقد لا يغادره) أن يصدر قراراً تنفيذياً بإحلال مصطلح "الكرة الأميركية" محل مصطلح "الكرة الأرضية" ! في مقالة لديفيد ستافرو، في صحيفة "هاآرتس"، تساءل حول الطريقة التي يفكر بها دونالد ترامب "ماذا اذا باع اسرائيل مثلما باع أوكرانيا؟". لكنه، على خطى أبيه، شديد التعاطف مع اليهود. عشقه للدولة العبرية قد يحمله على إلحاقها بالولايات المتحدة. هكذا يستطيع حمايتها من أي خطر في منطقة لا يستطيع أحد التكهن بنوع الزلازل، التي تضربها، والى حد اعادة تكوينها الجيولوجي.
لكن اسرائيل لا تستند في قيامها إلى الأسس الكلاسيكية التي قامت عليها الدول الأخرى. هي نتاج "وعد إلهي"، وقد وجدت لتقود العالم لا للذوبان في الهولوكوست الآخر، أي "المطحنة السوسيولوجية الأميركية".
لا نتصور أن "معركة التحرير" التي أدت إلى "الاستقلال الثاني" للولايات المتحدة ـ كون الدول الأخرى هي التي كانت تستعمرها، بما في ذلك الجزر التي تسكنها فقط طيور البطريق وحيوانات الفقمة ـ هي معركته الأخيرة ضد العالم. بول كروغمان، الحائز على نوبل في الاقتصاد، يسأل الرئيس "هل تصنع أميركا العظمى أم الصين العظمى؟" لأن رفع التعرفات الجمركية على ذلك النحو سيحمل التنين على اطلاق الثورة الصناعية الثانية، بالاستغناء عن المنتجات التكنولوجية الأميركية، والاتجاه إلى منافسة هذه المنتجات في الأسواق العالمية، وبأسعار قاتلة.
من هنا تحذير كروغمان من انفجار أزمة الكساد التي ضربت أميركا عام 1929. ولكن في ذلك الحين ظهر فرنكلين روزفلت الذي أطلق "الصفقة الجديدة الأولى" First new deal) )، و"الصفقة الجديدة الثانية" (Second new deal )، ليخرج بلاده من الأزمة، ويطلق برامج تفاعلية شقت الطريق أمام ظهور اضخم اقتصاد في التاريخ. الآن رجل بخيال وحيد القرن، وقد يدفع باستراتيجية البعد الواحد ليس العالم وحده إلى الجحيم، بل وأميركا أيضاً إلى الجحيم.
جوزف ستيغليتز، الحائز أيضاً على جائزة نوبل، والذي تنبأ بأزمة 2008، يحذر من "ثقافة الغباء"، ليضيف "لسنا بقطاع الطرق الذين نعرّي الآخرين من ثيابهم لنفاجأ، في نهاية المطاف، بأننا أصبحنا عراة أيضاً".
توماس فريدمان كتب في "النيويورك تايمز"، "لقد رأيت المستقبل بعينيّ ماثلاً أمامي، وحيث أرض الغد في شانغهاي، وهي لا تشبه أرض الغد "المزيفة"، المصممة على الطراز الأميركي، والتي بنتها شركة والت ديزني في المدينة نفسها".
المقالة لاحظت تركيز الصين على الذكاء الاصطناعي، وعلى الابتكار (بعدما كانت "وول ستريت جورنال" قد رأت في النهضة الصناعية، والتكنولوجية، الصينية، تظاهرة القردة) باعتبار أن هذه النهضة قامت على التقليد الميكانيكي للصناعات الأميركية، دون أن تصل إلى البعد الفلسفي لهذه الصناعات.
فريدمان قال "لم يسبق ان رأيت ما يشبه مركز الأبحاث والتطوير الذي أنجزته شركة "هاواوي تكنولوجيز" في ثلاث سنوات ونيف، على مساحة 1.6 مليون متر مربع، وهو يتكون من 104 أبنية، توجد فيها مختبرات تستوعب نحو 35000 عالم ومهندس وعامل".
لكن تحقيقاً في قناة "فوكس نيوز" ظهر فيه التنين وهو يتناول طبق الهوت دوغ ويحتسي الكوكا كولا، ثم يدفع الحساب بالدولار للتدليل على أن اسلوب الحياة الأميركي الذي غزا العالم هو السلاح الاستراتيجي في يد الولايات المتحدة. اشارة واضحة إلى أن اسلوب الحياة لدى الكائنات البشرية يختلف عن أسلوب الحياة لدى.. القردة!