صباح زنكنة
في خضم التحديات المتشابكة التي يعيشها العراق اليوم، وبين شكوك المواطن وإرهاق الشارع السياسي، جاء إعلان موعد الانتخابات البرلمانية ليحمل بصمت معنى واضحا ان هناك محاولة للحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية.
هذه الخطوة التي اتخذتها حكومة محمد شياع السوداني ليست معجزة سياسية، لكن في جوهرها تذكيرا بأن العراق رغم أزماته لا يزال يبحث عن طريق دستوري للخروج من عنق الزجاجة.
الإعلان عن موعد الانتخابات يُفند بشكل عملي تلك المخاوف والمزاعم، التي سادت في الفترة الماضية عن سيناريوهات "حكومة الطوارئ" أو "تمديد عمر الحكومة الحالية"، وهي أفكار أرّقت شريحة واسعة من المواطنين المتخوفين من تكرار سيناريوهات انسداد الأفق السياسي وحلول الازمات.
الأمر لا يتعلق فقط بتحديد موعد على الورق، بل بتثبيت مبدأ التداول السلمي للسلطة وهو ما يطالب به العراقيون يوميًا في نقاشاتهم وهمومهم بعيدًا عن التصريحات الرسمية.
المواطن الذي أنهكه الانسداد السياسي وابتلعته أزمات الكهرباء والماء وسوء الخدمات والبطالة، بحاجة اليوم إلى خطوات ملموسة تعيد إليه شيئًا من الثقة بأن صوته سيُحسب حتى وإن كان متشككًا في جدوى الانتخابات نفسها.
وهو يدير مشهدًا سياسيًا مليئًا بالتعقيدات والتحالفات المتبدلة والمتقلبة، رئيس الوزراء كان يدرك أن المماطلة في هذا الملف ستفتح الباب أمام مزيد من التشكيك، ليس فقط داخليًا، بل حتى على مستوى المجتمع الدولي الذي يراقب العملية السياسية في العراق بعين القلق، لذلك فإن تسريع خطوات التنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على الوجه الاكمل وتذليل العقبات أمامها يُقرأ كرسالة واضحة بأن الحكومة، رغم الضغوط، تحاول أن تلتزم بحدود الممكن في التعاطي مع المحاذير.
لا يمكن بطبيعة الحال إنكار أن الطريق إلى الانتخابات سيبقى محفوفًا بالتحديات إلى آخر لحظة، من حملات التأثير إلى احتمالات العزوف الشعبي عن المشاركة، ولكن وسط هذا المناخ الملبد بالضباب والترقب، فإن تحديد موعد الانتخابات يظل بادرة أمل في بلد اعتاد على السير ببطء في الطرق الوعرة والمحفوفة بالمخاطر.