عصام كاظم جري
لقد مرّ زمن طويل والحديث مستمرٌ ومتواصل في الأوساط العراقيّة عن ثيمة الإصلاح السياسيّ والأمنيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والدينيّ، فضلًا عن الإصلاح الفنيّ والثقافيّ والإعلاميّ والتربويّ والرياضيّ. وفكرة الإصلاح تتكرر على ألسنة المعنيين أصحاب القرار وغير المعنيين، بغية النهوض بالواقع. إن تكرار مثل هذه الدعوات دليل صحة وعافية، ولا شكّ أن أغلب المجتمعات استوعبت خطر التخلف، الذي باستطاعته أن يُغرق أعظم وأكبر البلدان بالفوضى والانحطاط، لا سيما بلدان العالم الثالث، على امتداد مساحاتها. فما زال هذا العالم منكوبا بتخلفه، إذ انتهى به الحال إلى المعاناة من سطوة المتطرفين والأصوليين المتخلفين والنفعيين. والفكرة من الإصلاح هي التّقدم والتّطور والنهوض ومواكبة التّفعيل الاستراتيجي
وتحوّلاته الميدانيّة وتجسيد أفق الحداثة في مجالاته كافة، وذلك بالعودة إلى رؤية العقل والتّعقل في المعاملات. والإصلاح ليس ديكورا أو حديقة منزليّة خلفية أو غرف نوم فاخرة، بل هو كشف لحضارة اللحظة التاريخيّة على نطاق واسع، يوحي للآخرين بأن هناك إجماعا يسعى لخلق نمط من التّصورات العقلانيّة التي تحكم الوعي العام.
وغياب الإصلاح المعرفيّ والعلميّ مسؤول عن كل تخلف، وعلى أقل تقدير يكون مسؤولا عن طبيعة الاستجابة للتحديات الحضاريّة المعاصرة، تلك الاستجابة التي تحدد مسار الخيارات الرائدة في صناعة اللحظة والتاريخ والواقع معا.
من المهم جدا ألّا نتحدثَ عن الإصلاح الباهِت الذي يدعو إلى إحياء الأزمنة الفائضة بترسبات الماضي، بعد أن طرحته في ما مضى جماعات تقليديّة محدودة الأفق والوعي بغية التماهي مع الادعاءات والشعارات المطابقة لتمام الإصلاح زورا.
بلا أدنى شكّ، نقف مع كل التّحولات التي تحمل في طياتها شيئا من التوعيّة والعقلانيّة، فالتَّقدميَّة بمقدورها تحريك السكون والجمود السياسيّ والاقتصاديّ والأمنيّ والدينيّ والثفافيّ والفنيّ والإعلاميّ، وبالوقت نفسه لا نستطيع مساندة كل دعوة لا تتضمن فكرة الإصلاح لمواجهة القادم والآتي من هذا العالم المختلف جذريا عن كل القرون التاريخيّة السابقة.
إن كل فكرة إصلاح تدعونا بالعودة إلى الماضي أو إحياء تراث الماضي تعدُّ إجابات خاطئة ومقترحات غير مبررة إلى حد كبير، نفهمها استجابة لأسئلة الأزمنة السحيقة.
نحن بحاجة إلى منطق جديد يختلف تمامًا عن منطق السلف والقبيلة والبداوة والصحراء والسرادق والسيوف، نحن بحاجة إلى نسيان الماضي بالدعوة إلى الإصلاح، ولا بأس أن يسعى كل مواطن من موقع مسؤولياته وعلى نطاق واسع لتحقيق فكرة الإصلاح ونبذ كلّ ما هو قديم وغير نافع، بدون تطرف أو تعصب أو فئوية. إذا لا بدَّ أن يبدأ الإصلاح من نقد البنى الكليّة لا الجزئيّة، جزاءً لأجراء تغييرات جذريّة في مجمل السلوكيات العامة.
من غير المفيد أن يظهر بين فترة وأخرى تطوّر مفاجئ في هذا النسق أو ذاك، وبأبسط صورة يعدُّ هذا التّطور ظرفا عابرا وطارئا غير مجد.
ومن غير النافع أيضا أن تدعو مجموعة ما إلى الإصلاح وهي بمعزل عن المجتمع، فان الدعوة إلى الإصلاح من خارج المؤسسات أو خارج سلطة القرار والمرجعيات الموثوق بها لا فائدة منها، وهنا لا أسعى إلى تكريس مفهوم فرضية السلطة،
إن فرصة ظهور عدد من المفكرين المراهنين على سلامة الإصلاح من خارج مركز القرار أمر في غاية الأهمية.