جاك لاو
ترجمة: حميد ونيس
كانت جهود الصين لبناء مصالح تجارية ضخمة عبر جميع أنحاء أفريقيا مصحوبة بسياسة حذرة تتمثل بالحفاظ على الحياد، لكن الصراع الذي يشهده شرق الكونغو تسبب بتغيير الصين لنهجها. فقد وجهت الاتهام لرواندا بكونها متورطة على نطاق واسع بتأجيج القتال الذي تشهده المنطقة الغنية بالمعادن، نظراً لأن بكين مرتبطة بعلاقات وثيقة مع كل من الكونغو ورواندا. لكنها تسعى لتعزيز المسار الدبلوماسي المشدود للحفاظ على علاقات جيدة مع كلا البلدين، مع الاستمرار بالحفاظ على نشاطها التجاري عبر المنطقة. فلطالما كانت الصين حريصة على عدم الانحياز والانزلاق إلى النزاعات داخل أفريقيا، لتجنب مشكلات قد تعرقل مصالحها التجارية الواسعة.
وهي حتى الآن، تلتزم جانب الحياد بعدم الانزلاق إلى منحدرات الصراع الأفريقي ودعم أطراف تلك الصراعات. ويقول البروفيسور تشو يوييوان، الباحث ضمن مركز دراسات شنغهاي الدولية للتنمية والأمن الأفريقي أن الصين لا تتحدث سوى القليل عن سلسلة الانقلابات التي شهدتها منطقة ساحل غرب أفريقيا منذ العام 2020، باستثناء حث القادة على مراعاة مصالح شعوبهم. ويضيف لطالما انتهجت بكين سياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية لدول الساحل. لذلك، تتجنب الصين اقتراح حلول للنزاعات، باستثناء الدعوة إلى جهود دبلوماسية أو سياسية من قبل منظمات دولية مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد
الأفريقي.
حركة إم 23
ومع عودة الاضطراب الذي يشارك فيه متمردو حركة "إم 23" المدعومة من رواندا إلى الظهور مرة أخرى سنة 2021. حيث يقودهم أفراد من أقلية التوتسي لحماية حقوق مجموعتهم العرقية، ولأن السلطات الكونغولية أخلت باتفاق سلام سابق، اكتفت الصين بانتقاد "قوى أجنبية" لم تسمّها لدعمها مقاتلي حركة
"إم 23".
لكنها خرجت مؤخراً عن ممارستها المعتادة وأشارت إلى رواندا بالاسم، خاصة بعد مكاسب كبيرة حققتها حركة "إم 23"، التي استولت قبل ثلاثة شهور على مدينتي غوما وبوكافو الرئيسيتين. ويشير البروفيسور تشو إلى أنه رغم أهمية التصريح الصيني، فإن "صياغته لا تزال معتدلة نسبياً بشكل عام"، إذ علق السفير الصيني لدى الأمم المتحدة مؤخراً بأن بلاده "تكرر أملها بأن توقف رواندا دعمها العسكري لحركة إم 23 وتسحب فوراً جميع قواتها العسكرية من أراضي الكونغو فقد أعربت الصين عن أملها، بأن توقف رواندا دعمها لكنها لم تُدِن
ذلك".
ومع ذلك، سرعان ما دعمت الصين قراراً لمجلس الأمن الدولي يطالب صراحة القوات المسلحة الرواندية بـ"وقف دعمها لحركة إم 23 وسحب قواتها فورًا من أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية دون شروط مسبقة.
وفقاً للبروفيسور تشو، يرجح أن تكون تصريحات الصين قد جاءت استجابة لتقارير خبراء الأمم المتحدة، التي قدمت أدلة قوية على دعم رواندا لحركة "إم 23"، انطلاقاً من توافق أساسي عبر مجلس الأمن الدولي تجاه مشكلة مستمرة منذ فترة طويلة، لم يعد هناك حاجة للتكتم عليها بعد الآن.
لم ترد بعثة الصين لدى الأمم المتحدة عندما سئلت عن سبب انتقاد الصين لرواندا. لكن الأهمية الكبيرة لثروة الكونغو المعدنية قد تكون عاملًا مؤثرًا.
ويتركز القتال داخل مقاطعتي شمال كيفو وجنوب كيفو شرق الكونغو، وهما موطن للعديد من مناجم الذهب التي تديرها شركات صينية. ولا يزال مدى تأثر هذه المناجم بالقتال غير واضح حتى
الآن.
ويذكر أن حركة "إم 23" استولت أيضاً على أراض تحتوي على مناجم خام الكولتان، الذي تستورده الصين بكميات كبيرة. ويستخرج من هذا الخام معدن التانتالوم، المستخدم بكثافة مع صناعة السيارات والإلكترونيات، سواء أجهزة التلفزيون أو الهواتف المحمولة. وتعد جمهورية الكونغو الديمقراطية مصدراً لنحو 40 بالمئة من إمدادات العالم من هذا
المعدن.
وكانت حركة “إم 23” قد قامت بتهريب الكولتان إلى رواندا من الكونغو، بحسب مراقبين دوليين، وأشاروا إلى أن صادرات رواندا من الكولتان ارتفعت بنسبة ٥٠ بالمئة بين عامي 2022 و2023.
وهناك معدن آخر تستورده الصين من الكونغو؛ هو الكوبالت، الذي يعد عنصراً أساسياً لصناعة بطاريات الليثيوم. ومع ذلك، فإن عمليات تعدين الكوبالت الصينية تتركز عند جنوب الكونغو، بعيداً عن مناطق النزاع الشرقية.
ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن الصين تزود كلا من رواندا والكونغو بالأسلحة، وعلى مدى العقدين الماضيين، اشترى الجيش الرواندي مركبات مدرعة صينية ومدفعية وصواريخ مضادة للدبابات.
بينما يقول خبراء الأمم المتحدة أن الجيش الرواندي قام بتسليح حركة “إم 23”، ولا يُعرف ما إذا كانت هذه الجماعة المتمردة تستخدم أي أسلحة صينية. كما اشترت القوات المسلحة الكونغولية ناقلات جند مدرعة وطائرات مسيّرة صينية، وتمتلك دبابات صينية تم شراؤها سنة 1976 لكنها كانت لا تزال قيد الاستخدام حتى العام 2022.
ويُقال أن الطائرات المسيّرة، على الأقل، قد استخدمت خلال القتال ضد حركة
“إم 23”.
تأثر علاقات الصين بالبلدين
ويبدو أن العلاقات الرواندية مع الصين لا تزال ممتازة ومثمرة بحسب السفير الرواندي لديها.
وتتعمق الأنشطة الاقتصادية الصينية مع كلا البلدين بشكل كبير. فكلاهما جزء من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، المصممة لربط الصين بالعالم من خلال الاستثمارات ومشاريع البنية التحتية. وقد موّلت الصين بناء ملاعب ومدارس وطرق سريعة بالنسبة لرواندا.
كما تمول القروض الصينية مشاريع بنية تحتية، بقيمة 40 مليون دولار تقريباً لتمويل بناء سد ونظام ري قبل ثلاثة أشهر. وكانت معظم السلع المستوردة إلى رواندا تأتي من الصين منذ سنوات.
أما العلاقات الاقتصادية بين الصين والكونغو، فيبدو أنها موثقة بشراكة تجارية عالية المتانة مع الكونغو لسنوات.
لقد بذلت الصين جهوداً كبيرة لتأمين الوصول إلى الثروة المعدنية لجمهورية الكونغو.
وقدمت قروضاً بقيمة تزيد على ثلاثة مليارات دولار إلى البلاد بين عامي 2005 و2022، وكان معظمها لتمويل بناء الطرق والجسور وشبكة الكهرباء عبر البلاد. كما قامت الصين بتمويل وبناء مشاريع بنية تحتية كبيرة أخرى للكونغو، بضمنها محطات الطاقة الكهرومائية وميناء جاف. تشير هذه الاستثمارات إلى أن من مصلحة الصين على المدى الطويل ايجاد حل سريع لهذا الصراع.
عن موقع بي بي سي البريطاني