المفاوضات الإيرانية الأميركية .. جميع الاحتمالات ممكنة

قضايا عربية ودولية 2025/04/13
...

 محمد صالح صدقيان


وسط اهتمام عالمي وإقليمي واسع النطاق ؛ انطلقت واختتمت في العاصمة العمانية مسقط السبت 12 نيسان الجاري المفاوضات الإيرانية الأميركية "غير المباشرة" بوساطة عمانية يشرف عليها وزير الخارجية بدر البوسعيدي الذي خصصت قاعتين منفصلتين في فندق "قصر بستان" في العاصمة مسقط للوفدين الإيراني الذي يرأسه وزير الخارجية عباس عراقجي والأميركي برئاسة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط استيف ويتكوف .

ويتكوف الذي دخل قاعته المخصصة كان قد استلم من وزير الخارجية العماني "الإطار التفاوضي" الذي قدمه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ليكون منهاج عمل لمسار هذه المفاوضات التي لم يعٌرف مداها الزمني بسبب تعقيداتها وقضاياها الشائكة التي يريد الجانب الأميركي تحقيقها في هذه المفاوضات في الوقت الذي لايبدو أن الجانب الإيراني مستعجل لإنجازها مالم يستكمل جميع فرصه التفاوضية لتحقيق أهدافه في إزالة الحظر والعقوبات الاقتصادية التي دخل من أجلها هذه المفاوضات . 

تفاؤل حذر من نتائج هذه المفاوضات يسود الأجواء الإيرانية لكنها مشجعة لجهة عاملين مهمين :

الأول ؛ إن موافقة الدخول في هذه المفاوضات تمت من قبل النظام السياسي في إيران بمعنی أنه لايمثل الحكومة أو وسط حزبي أو مجموعة سياسية معينة وإنما قرار تم اتخاذه من قبل القيادة الإيرانية بشخص المرشد الإيراني الأعلی السيد علي الخامنئي الذي ردَّ علی رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتنسيق مع الحكومة بكل دوائرها السياسية والاقتصادية والأمنية . وهذا يعني أن المفاوض الإيراني يحمل كل معاني القوة في دخوله هذه المفاوضات دون تردد خصوصاً أنه يحمل أيضاً "إطار تفاوضي" واضح يريد تقديمه للجانب الأميركي . وأن وضع صورة لوزير الخارجية في صفحة المرشد الرسمية علی منصة "اكس" والدعوة له بالدعاء يعني أن المرشد الأعلی يدعم بشكل كامل جهود الحكومة بالدخول في المفاوضات مع الجانب الأميركي خلافاً لما يردده البعض من المعارضين للمفاوضات في الداخل الإيراني . 

ثانياً ؛ هناك اهتمام وترقب كبيرين من قبل كافة الأوساط الإيرانية السياسية والاقتصادية والشعبية لأن هذه المفاوضات تتعلق براهن الأوضاع التي تمر بها إيران ومستقبلها إن في جانبها السياسي أو في جوانبها الاقتصادية والعلمية والأمنية .

وفي إطار هاتين النقطتين حمل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي "الإطار التفاوضي" الذي يعتقد أنه كفيل بإزالة القلق لدی الجانبين لأن هذا القلق جادة ذات اتجاهين . قلق عند الجانب الأميركي من طبيعة البرنامج النووي الإيراني ؛ وقلق عند الجانب الإيراني من استمرار العقوبات علی إيران إضافة إلی البرامج التي تهدد بها الولايات المتحدة بين الفينة والأخری . 

مصادر مواكبة كشفت عن أن "الإطار التفاوضي" الذي تم اقتراحه علی الجانب الأميركي شمل التصورات التالية : 

أولاً ؛ إن إيران جادة في التوصل لاتفاق يٌنهي هذا القلق عند جميع الأطراف وأن يضع حداً للحظر والمقاطعة الموجهة ضدها .

ثانياً ؛ إن إيران لاتريد تضييع الوقت كما لاتريد التلاعب به وهي تسعی للتوصل للاتفاق بأسرع وقت ممكن شريطة أن يتضمن ضمانات واضحة للتنفيذ بالشكل الذي لايتم فيه تكرار التجارب السابقة وتحديداً تجربة عام 2018 الذي تم الانسحاب من اتفاق 2015 . 

ثالثاً ؛ المفاوضات تمثل اختبار صعب لجميع الأطراف لكنه في ذات الوقت يمثل فرصة مهمة للتوصل لاتفاق يستند علی قاعدة رابح رابح ؛ واحترام متبادل ؛ ومصالح مشتركة . 

رابعاً ؛ سلوك الجانب الإيراني يعتمد علی سلوك الجانب الآخر في تقدم هذه المفاوضات بمعنی أن الجانب الأميركي إذا تقدم بخطوة نحو تعزير الثقة فإن الجانب الإيراني يتقدم بخطوتين دلالة علی حسن النوايا وعدم رغبته في إضاعة هذه الفرصة. 

خامساً ؛ العين الإيرانية مفتوحة علی خطوات الجانب الأميركي بتعزيز الثقة وهي تنتظر خطوات ملموسة وواقعية بهذا الشأن ؛ لأن الجانب الإيراني فاقد الثقة تماماً من الولايات المتحدة التي أضرَّت الشعب الإيراني بالكثير من العقوبات غير المبررة في كافة المجالات الاقتصادية والعلمية والطبية والثقافية وهي مسؤولة عن ترميم هذه الأضرار . 

سادساً ؛ إيران عازمة ومستعدة لإزالة القلق من طبيعة برنامجها النووي مقابل إزالة العقوبات .

سابعاً ؛ إن المفاوض الإيراني سينسحب من المفاوضات دون تردد إذا ثبت له وجود مماطلة أو دوافع لاتخدم المصالح الإيرانية وخارجه عن "الإطار التفاوضي" الذي يتم الاتفاق عليه .

ثامناً ؛ إيران بحاجة لإزالة القلق الذي يزعجها من البرامج والتهديدات الأميركية المضادَّة للنظام السياسي الإيراني والتي تستلمها بين الفينة والأخری . 

تاسعاً ؛ إن تعزيز الأمن والاستقرار السلام في المنطقة ليس مهمة الجانب الإيراني فحسب وإنما مهمة لجميع الأطراف المعنية بهذا الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط .

عاشراً ؛ القضية الفلسطينة هي القضية المركزية كانت ولاتزال وستبقی مصدر التوتر الرئيس في المنطقة مالم تعمل الأطراف الدولية والإقليمية لإيجاد حلٍّ لقضية الشعب الفلسطيني وإنهاء حالة الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة . 

وفي إطار هذه الأفكار والتصورات يعمل الجانب الإيراني مع الجانب الأميركي لإيجاد نقاط مشتركة يتم الاستناد عليها لأن جميع الاحتمالات الآن مطروحة علی الطاولة وهي متساوية في مقدارها ؛ وتتوقف بشكل كامل علی الجانب الأميركي في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر الإيرانية أن آخر ما يفكر به المفاوض الإيراني الخيارات العسكرية التي يلوِّح بها الجانب الأميركي لأنها "فارغة" كما تری هذه المصادر .