نحن وإعادة تشكيل الخرائط

آراء 2025/04/14
...

 حمزة مصطفى

 

لا يخفى أن العالم يعاد تشكيله، وهذه بالطبع ليست هي الأولى التي يعاد فيها تشكيل العالم، سواء على مستوى الخرائط (سايكس بيكو) أوائل القرن الماضي (القرن العشرون)، أو التحالفات وما بعد التحالفات (الحرب العالمية الثانية) أواسط القرن الماضي تقريبا، أو التحولات الكبرى نحو العولمة أو نهاية التاريخ، مثلما حلم فرنسيس فوكاياما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أو كتاب هنتغنتون "صدام الحضارات" أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي الحادي والعشرين. والآن تجري محاولات حثيثة لإعادة رسم الخرائط والتحالفات في عالم اليوم، بعد سلسلة المتغيرات التي حصلت في المنطقة لاسيما بعد "طوفان الأقصى" الذي فاجأ الجميع بمن فيهم صناع الخرائط ونساجها، والتي من المتوقع أن تحصل مستقبلا. وطوفان الأقصى فضلا عن أنه ليس حدثا عابرا في التاريخ كما قلنا، لكنه في الوقت نفسه ليس ولن يكون معزولا عن الأحداث الكبرى، التي حصلت قبله أو المتوقع أن تحصل بعده.

لذلك هناك إعادة رسم للخرائط ومواقع الدول وربما حتى القارات طبقا لما كان يراه هنري كيسنجر، الذي هو واحد من أهم استراتيجيي أميركا وأخطر وزراء خارجيتها في القرن العشرين، الذي بقي بالرغم من كل التحولات، التي حصلت في القرن العشرين يعود إلى اللحظة "الوتسفالية"، أي صلح وتسفاليا الذي أعاد تشكيل أوروبا والعالم في القرن السابع عشر. فوتسفاليا هي أول اتفاقية في العصور الوسطى أرست نظاما عالميا جديدا في أوربا الوسطى والغربية، والتي لا يزال العالم متأثرا بها لأنها أنهت حرب الثلاثين عاما، وأسست لظهور الدولة القومية. لكن هل نحن اليوم أمام لحظة وتسفالية؟ أو هل وتسفاليا قابلة للاستعادة في ظل التحولات، التي يعيشها عصرنا، والذي هو الآخر عصر حروب وازمات بين الدول والإمبراطوريات والقارات. فبالاضافة إلى الحربين العالميتين اللتين حصلتا بفارق أقل من عقدين في القرن العشرين وحصدتا أرواح عشرات الملايين من أبناء البشرية، فإننا وبرغم من كل ما حاولت البشرية احتواءه من أزمات عبر المنظمات الدولية "الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية والقارية"، ما زلنا نعيش لحظات انفلات عالمية، إن كان على صعيد الحروب أو الكوارث "جائحة كورونا" أو التهديدات المناخية الجدية. 

كل هذا يجري والعالم مشغول بتغيير الخرائط لكن بما ينسجم مع إرادة القوى الكبرى بمعزل عن إرادة الآخرين من القوى الوسطى والصغرى مع أن المخاطر والكوارث والأزمات الحالية والمحتملة، باتت تهدد العالم أجمع ما يجعل عملية التصدي لها مسؤولية الجميع لا القوى الكبرى فقط، التي بدأت تفقد ريادتها العالمية في ميادين عدة وهو ما يتطلب من الجميع العمل على اقتناص فرص من هذا النوع.