الروس يجتاحون عالم السياحة التايلاندي

ستيفاني يانغ
ترجمة: بهاء سلمان
لسنوات عديدة، كانت السياحة الصينية تغذي اقتصاد هذه الجزيرة الرائعة الجمال، المعروفة بطقسها الاستوائي وغروب الشمس المذهل وأماكن الإقامة الودودة للأجانب.
ولكن مع بدء الحرب الشاملة لروسيا مع أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات، تحوّلت جزيرة فوكيت التايلاندية إلى نوع مختلف من الملاذ، فهي ملجأ للروس الفارين من التجنيد العسكري والتشدد السياسي والتأثير الاقتصادي للعقوبات الغربية؛ لتستجيب المصالح التجارية في فوكيت، التي لا يزال العديد منها يتعافى من جائحة كوفيد- 19، بكل سرعة وحماس، فيما تنحى العامل الصيني جانبا.
غزو روسي
تقدّم المطاعم التايلاندية الآن أطباقا روسية، مثل حساء الشعير الحلو المذاق، وتبيع محال البقالة مخلل الملفوف والبورشت والفطائر مع الجبن شديد الملوحة، كما توفر الصالات الرياضية حمامات الثلج والساونا، بينما ظهرت لافتات باللغة الروسية في المناطق المكتظّة من المدينة. كما تعلن إحدى صالات الترفيه التي افتتحت قبل عامين عن ليالي اللهو وعروض الأفلام والعروض الحية، كل ذلك باللغة الروسية.
وكما يمزح "بون يونغساكول"، نائب رئيس جمعية فوكيت العقارية فيعلق بالقول: "شيئا فشيئا تتحوّل فوكيت إلى "موسكو الصغيرة". ولطالما كانت بعض مناطق الجذب في الجزيرة، مثل المدارس الدولية وخيارات التأشيرة طويلة الأجل، مصدر جذب للأجانب. ولكن مع تسبب العقوبات الغربية في جعل المعاملات المصرفية والسفر عبر أوروبا أكثر صعوبة بالنسبة للروس، عزز سوق العقارات السهل التعامل ماليا في فوكيت والرحلات الجوية المباشرة من الشرق الأوسط من جاذبيتها.
ومنذ العام 2022، باتت روسيا أكبر مصدر للوافدين الأجانب إلى الجزيرة، بدلا من الحليف الصيني، وفقا لبيانات شرطة السياحة المحلية؛ ومنذ ذلك الحين، تضاعف عدد الزوار أربع مرات، ليصل إلى أكثر من مليون سائح سنويا. ونظرا لجوعها لمزيد من السياح، شجّعت تايلاند هذا الاتجاه على الاستمرار. وتستهدف هيئة السياحة في تايلاند جذب نحو مليوني سائح روسي هذا العام، إرتفاعا من مليون ونصف المليون للعام الماضي. وخلال العام 2023، افتتحت موسكو قنصلية لخدمة العدد المتزايد من المواطنين الروس. يقول يونغساكول: "مع إدراك المزيد والمزيد من الناس أن المكان آمن هنا، أصبحت المجتمعات أكبر. وأصبح لديهم كنائسهم الخاصة، وأعمالهم التجارية المرتبطة بنشاطهم، فضلا عن اطباق طعامهم المحلي".
سعى "بوغدان مارتيانوف"، وهو عامل تقني يبلغ من العمر 25 عاما من سانت بطرسبرغ الروسية، إلى تجنّب الذهاب إلى جبهات القتال بسبب أوضاع حرب أوكرانيا التي لا تنتهي؛ فسافر إلى الأرجنتين وومن هناك تطلع إلى العمل في بلد قرب من وطنه، وعلى مدى عامين، عاش وعمل في لا بلاتا، على بعد ساعة بالسيارة من بوينس آيرس.
آمالٌ جديدة
وخلال تشرين الأول الماضي، وبسبب قلقه من التأثير الاقتصادي لتدابير التقشف التي شهدها عهد الرئيس الأرجنتيني الجديد "خافيير ميلي"، سافر إلى فوكيت التايلاندية للانضمام إلى بعض الأصدقاء الذين خرجوا من روسيا أيضا. كان مارتينوف قد خطط لرحلة تستغرق مدة شهرين. لكن سهولة الحياة والمجتمع الروسي القائم أقنعه بالبقاء على الأقل حتى الربيع. يقول: "هذه منطقة مفضّلة حيث يمكننا الالتقاء معا. لهذا السبب أنا هنا وأريد البقاء هنا".
تجمع العديد من الروس الوافدين حديثا على الجانب الغربي بالقرب من شاطئ بانغ تاو، حيث يمتلك يونغساكول العديد من العقارات الفاخرة. ويقدر أن أسعار الشقق السكنية تضاعفت تقريبا منذ سنة 2020، بينما ارتفعت أسعار الأراضي بنحو خمسين بالمئة، ويرجع ذلك جزئيا إلى تصاعد الطلب من جانب المشترين الروس.
يقول "بيل بارنيت"، المدير الإداري لشركة متخصصة باستشارات الضيافة والعقارات في فوكيت، إن السياح الروس بدؤوا في الزيارة بأعداد أكبر منذ عشر سنوات، حيث منحهم تحسن الظروف الاقتصادية المزيد من القوة الشرائية؛ كما يمثل المناخ الدافئ تغييرا مرحبا به عن الشتاء القارص في أوروبا الشرقية.
ويقول بارنيت إن تايلاند تسهل أيضا على الأجانب شراء العقارات، التي تمثل فرصة هائلة للروس الذين يبحثون عن مكان لإيداع أموالهم. "لقد أصبحت العقارات في فوكيت بمثابة بنك للمستثمرين الروس بديلا عن المنافس الصيني،" على حد وصفه.
لقد قدم وصولهم دفعة ضرورية للغاية لاقتصاد الجزيرة المعتمد على السياحة. ومع ذلك، فقد أثار أيضا الجدل بين السكان المحليين، الذين يحذرون من كيفية إعادة تشكيل المهاجرين الروس للسياحة والحياة اليومية في فوكيت.
يقول يونغساكول: "هذا شيء إيجابي للعقارات، ولكن ليس للمجتمع بأكمله". ويقول "ثيناكورن جومونغ"، رئيس جمعية النقل العام في باتونغ، إن الروس، تماما مثلما فعل الزوار الصينيون من قبلهم، يقومون بإنشاء وكالاتهم السياحية وشركاتهم الخاصة، مما يستبعد التايلانديين مثله.
تضارب المصالح
وعلى الرغم من زيادة عدد المسافرين، كما يقول جومونغ، إن دخله ظل كما هو تقريبا. "إنهم يجلبون الكثير من المال، لكن المال لا يذهب إلى أشخاص مثلي. ومع الوصول الى نقطة النهاية، تعود كل الأموال إلى مؤسسات البنوك لدى كل من روسيا، أو الصين، أو كوريا. وتضمحل نشاطات أصحاب الأعمال الصغيرة، واحدا تلو الآخر، لأنهم لا يستطيعون الحصول على أي عملاء".
ويشير الخبير السياحي إلى إنه على الرغم من ارتفاع عدد السياح الآن، إلا أن الحجوزات بين السائقين المحليين البالغ عددهم خمسة وعشرون ألفا، والذي يمثلهم، قد انخفضت بنحو الثلث، مقارنة بالأعمال قبل الوباء. كما يعرب عن قلقه من أن الروس يتجاهلون القوانين التي تهدف إلى حماية العمالة المحلية، مثل تلك التي تحظر على المواطنين غير التايلانديين أن يكونوا مرشدين سياحيين أو مالكين لغالبية الأسهم في الشركات الخاصة.
أما "كريت ثيببومرونغ"، رئيس جمعية مرشدي سياحة أندامان، فيقول إن أغلب المرشدين السياحيين غير المرخص لهم في بوكيت كانوا صينيين قبل خمس سنوات. وأضاف ثيببومرونغ، الذي يقود فريق عمل تطوّعي في إدارة الشرطة لتعقّب المرشدين السياحيين غير القانونيين، أن أغلبهم اليوم من الروس؛ منوّها بتلقيه المزيد من التقارير عن الروس، الذين تجاوزوا مدة تأشيراتهم، لكن من المستحيل تقدير نطاق هذه القضية.
بنفس الوقت، يشير المسؤول التايلاندي إلى إن التمويل الحكومي للشرطة المحلية لمعالجة هذه القضايا، إلى جانب الضغوط على حركة المرور والتخلّص من القمامة والبنية الأساسية الأخرى، يهمل في أخذ جميع الوافدين الأجانب في الاعتبار، وخاصة أولئك الذين بقوا بعد انتهاء مدة تأشيراتهم.
تحرّكاتٌ قانونيَّة
واستجابة لشكاوى المقيمين، اعتقلت الشرطة العام الماضي عشرات الروس للاشتباه في مخالفتهم لقوانين العمل، حسبما ذكرت إذاعة آسيا الحرة. كما عززت تقارير إعلامية محلية أخرى عن تورّط الروس في عمليات احتيال أو سرقات المخاوف بشأن سوء السلوك بين الوافدين الجدد. ولعل من غير المستغرب أن تؤدي هجرة الروس، والصراع الثقافي الناتج عنها، إلى إثارة ردود فعل عنيفة بين العديد من السكان المحليين، الذين يرحبون بالزوار، ولكنهم قلقون بشأن فقدان الوظائف ونوعية الحياة.
يقول ثيببومرونغ: "سابقا، لم تكن جزر تايلاند (ومنها فوكيت) فوضوية كما هي الآن. لا أريد أن أقول إننا لا نريد الروس. لكننا نريد سواحا ذوي جودة عالية. يجب أن يكون الأمر متوازنا". وكانت فوكيت أول مكان في تايلاند يعاد فتحه سنة 2021 بعد أن أعاق وباء كورونا السفر الدولي إلى معظم أنحاء العالم.
بعد رؤية النمو السريع للسياح الروس، بدلا من الصينيين، قرر "سيرجي سكوروبا"، 34 عاما، فتح خدمة تأجير دراجات نارية في الجزيرة مع شريكه التايلاندي قبل عامين. وإنتقل سكوروبا، الذي كان في الأصل من موسكو، إلى مدن الجزر في العام 2021، منجذبا إلى الشمس والبحر، مع وجود فرصة اقتصادية أكبر شأنا مما رآه على السواحل الروسية.
ومع إدراكه أن الشركات التي يديرها أجانب أصبحت قضية حساسة، يشير سكوروبا إلى أن صديقته التايلاندية تمتلك غالبية الشركة، وفقا للقوانين المحلية. ويقول إنه يستأجر العمال التايلانديين فقط، على الرغم من أن ذلك أدى إلى صدامات بسبب أساليب عملهم. بيد أنه يؤكد رؤيته لآفاق أكبر لتايلاند، ويخطط للبقاء.
يقول سكوروبا، الذي عمل ضمن شركة نقل مملوكة للحكومة الروسية، أننا نعيش تحت ظل نظام الحكومة. ولكن هنا لدينا الحرية. يمكننا تطوير أعمالنا الخاصة.. أشعر بالفائدة أكثر هنا؛ وهذا أمر مهم للغاية."
صحيفة لوس انجليس تايمز الاميركية