ترجمة: نجاح الجبيلي
تبتدع المخرجة السويدية " نيكي ليندروث فون بار" مملكة خاصة بها، تعيش فيها كائنات حيوانية كئيبة يظهر تيهها الوجودي أشبه بحياتنا الغامضة. هذه الحيوات الصغيرة، المنتشرة داخل عوالم مصغرة، تتجسد في دمى ونماذج مصنوعة يدوياً، تستحضر الطفولة كما تستحضر صناديق المخرج الطليعي جوزيف كورنيل الفنية. وقد جرى تكريم المخرجة في مهرجان ترفلانج دو رين"، الذي خصص دورته الخامسة والثلاثين لمدينة ستوكهولم. وفي تلك الأثناء أجرت معها المحررة في مجلة "كراسات السينما" أليس لوروا هذا الحوار:
*وصلتِ من الدنمارك إذ تطوّرين فيلمك الجديد، هل يمكنكِ إخبارنا عنه؟
إنه فيلم قاتم إلى حد ما، قريب في نبرته من أعمالي الأخيرة. تدور أحداثه في مطار، حيث تخلق الأجواء إحساساً يتناوب بين الحلم والكابوس. من الصعب تلخيص الحبكة، لأنها ذات طابع تجريدي وشاعري. يدور الفيلم حول هذا المكان الذي نطوف فيه وكأننا في البرزخ، لكنه يتناول أيضًا موضوع الموت بطريقة ضمنية. بدأتُ في كتابة هذا المشروع قبل أكثر من عامين، وخلال تطوير السيناريو، فقدتُ والدي ورُزقت بطفلي الثاني، كانت فترة مرهقة جدا وتأملتُ فيها كثيراً حول الموت. قد أبدو جادة كثيراً عند الحديث عنه، لكني آمل أن يكون الفيلم ممتعاً أيضاً. إنه بلا شك أحد مشاريعي الأكثر طموحاً، ويتطلب تعاوناً مشتركاً بين السويد، الدنمارك، وفرنسا.
*ما هو المخطط الإنتاجي الذي تعملين وفقه؟
أعمل في بيئة إنتاجية ذات طابع حرفي إلى حد كبير. ومع ذلك، وبفضل الإنتاج المشترك في هذا المشروع، أتيحت لي الفرصة لاكتشاف استوديوهات دنماركية وفرنسية، والعمل مع أشخاص جدد بدلاً من إنجاز كل شيء بنفسي. حتى الآن، عملتُ أساساً بميزانيات قليلة في السويد، على الرغم من أنني ممتنة للدعم الذي تلقيته من المؤسسات العامة. أصبح تطوير المشاريع المستقلة دون الخضوع لمتطلبات السوق أمراً جدّ صعب هذه الأيام. قبل بضع سنوات، دعاني استوديو نكسوس في لندن لتقديم مشروع لنتفليكس مع المخرجين مارك جيمس رولز، إيما دي سواف، وباولا بايزا. توقعتُ قيوداً كثيرة، لكن ما أن جرت الموافقة على المشروع، حتى عملنا بحرية كبيرة. مع ذلك، لا أملك حقوق فيلم "البيت"، الذي عُرض عام 2022، كما أن الأزمة التي ضربت منصات البث بعد كوفيد- 19 أوقفت هذا التوجه المنفتح تجاه صانعي أفلام التحريك، وأعمل أيضاً بتقنية إيقاف الحركة (Stop-Motion)، وهي تتطلب الكثير من الصبر وبعض المال، لذا لم أختر الطريق الأسهل بالتأكيد!
*من أين تأتي شخصياتك الحيوانية؟ تبدو وكأنها تنتمي إلى عالم الحكايات، لكن بطابع
كئيب!
غالباً ما تكون الدمى البشرية مخيفة، وبما أنني أروي قصصاً ذات طابع مظلم، فإن تجسيدها عبر حيوانات صغيرة غريبة وحزينة يسمح بإضفاء مسافة ولمسة ساخرة. في أفلامي الأولى، كانت الحيوانات أقرب إلى الشخصيات البشرية، لكن مع الوقت، أصبحت مهتمة أكثر بأجسادها نفسها: كيف يرتدي الحلزون سروالاً؟ وكيف يرتدي الصرصور قميصاً؟ هذه التفاصيل تضحكني كثيراً، لكنها تذكّرنا أيضاً بأننا نحن البشر لسنا سوى حيوانات، الفرق الوحيد أننا نرتدي الملابس وأحياناً نضع مساحيق التجميل.
*لماذا تبدو حيواناتك عادية جدا، بل مزعجة أحياناً؟
أحب فكرة منح مساحة في أفلام التحريك لأنواع غير متوقعة. في فيلم "الوطأة" الذي يتناول الاغتراب، اخترت حيوانات تُستخدم غالبًا في مختبرات التجارب الطبية. أما في "شيء للتذكر" فقد عملتُ مع كائنات تُعدُّ طفيليات. في كل مرة، أحاول إعادة كتابة الحكايات بلمسة حديثة وناقدة. في مشروعي الأخير، استلهمتُ من الحيوانات في حكايات إيسوب، لكني قمتُ بتحديثها لتتناسب مع زمننا. أسعى دائماً إلى عدم تصوير الحيوانات بناءً على القيم الأخلاقية المنسوبة إليها، لأنني أحب أن تفاجئني شخصياتي، كما أنني لا أحب الأفلام التي تكون معانيها واضحة
ومباشرة.