علي حسن الفواز
كلُّ شيءٍ مفتوح على التغيير، وعلى وضع السياسة والأمن في خدمة المصالح، إذ لا سياسة حقيقية من دون مصالح حقيقية، ومن دون فاعلين حقيقيين يقفون خلف إدارة السياسة والمصالح.
الحديث عن الاستقرار والأمن هو حديث العقل، والمسؤولية، وإن من يروّج لإكراهات الحرب يضع خطابه في خدمة المصالح، من دون ضمانات للآخرين، بل يتجاوز ذلك إلى الذهاب نحو سياسات متطرفة في إجراءاتها، وفي نظرتها لمفاهيم الاستقرار والحقوق السيادية والسلم الدولي، لا سيما في منطقتنا العربية، فيوميات الحروب التي أشعلها الكيان الصهيوني، وحسابات المصالح الغربية، جعلت من الحديث عن التعاون الاقتصادي، والحقوق السيادية، نوعا من الكوميديا السوداء، فكل ما جرى وما يجري فرض واقعا صعبا ومعقدا، دفع البعض إلى التلويح بالتطبيع، والبعض الآخر إلى سياسة المهادنة، خوفا أو حذرا من تداعيات الصراع المفتوح، ومن حساب المصالح غير المنضبطة باتفاقيات ومعاهدات دولية وإقليمية، لا سيما أن منطقتنا تختزن في ذاكراتها أحلافا ومعاهدات استعمارية، ارتبطت بحسابات غامضة، ولأهداف لم تكن بعيدة عن حماية مصالح الدول الكبرى، ومن أبرزها "حلف بغداد" الخاضع للرعاية البريطانية، الذي سقط بعد ثورة الـ 14 من تموز 1958، ليواصل الغرب هوسه بالبحث عن مصالحه في زوايا أخرى، من خلال مشاريع الحروب العمومية، بدءا من الإنزال الأميركي في بيروت عام 1958، مرورا بحربي 1967 و1973 وصولا إلى اتفاقيات "كامب ديفيد" و"وادي عربة" وأوسلو، وانتهاء بالترويج الماكر لأطروحات "طريق داود" و "الشرق الأوسط الجديد" وحساباتهما الأمنية والجغرافية والعسكرية والاقتصادية، وهي أطروحات سياسية في جوهرها، لها مصالحها، ولها أهدافها في فرض التغيير على المنطقة، وعلى طبيعة ما يدور فيها من صراعات، ومن تعقيدات، لها شواهدها على الأرض كما يحدث في غزة من عدوان عنصري متوحش، ومن تلويح فاضح بتهجير أهلها، فضلا عما يحدث في جنوب لبنان وحتى في السودان وفي سوريا.
فشل السياسة العربية في تجاوز عقد الصراعات السياسية، أدخل المنطقة إلى ما يمكن تسميته بـ"العصر الأميركي"، أي البحث عن الحلول على وفق النظرية الأميركية، ومفهومها للحرب والسلام، إذ تكشف هذه النظرية عن طبيعة الخطاب النيوليبرالي الذي تفرضه الولايات المتحدة في تداوليتها السياسية والأمنية، فلا قبول أو رفض إلا بحسابات، وبتوجهات تجعل من السياسة في تأمين خدمة كاملة للمصالح، وأحسب أن ما ستتمخض عنه المفاوضات الإيرانية الأميركية قد يُسهم في تغيير هذه المعادلة، وفي إعطاء الدبلوماسية جرعات عالية من الواقعية لكي تعيد النظر بحسابات حقيقية للمصالح والسياسات.