محمد علي الحيدري
وسط بحر من التصعيدات الإقليمية والتوترات المتداخلة من غزة إلى مضيق هرمز، جاءت محادثات مسقط يوم السبت الماضي كاستراحة دبلوماسية نادرة، أو ربما كطلقة افتتاح لمسار تفاوضي جديد، أكثر مرونةً وأقل صخبًا. اللقاء غير المباشر بين الوفدين الأميركي والإيراني، برعاية عمانية تقليدية، لم يكن مجرد ترفٍ تفاوضي في زمن مضطرب، بل محاولة جادة لإعادة ترسيم قواعد الاشتباك والتفاهم في منطقة تقف على حافة الانفجار.
التصريحات التي تلت اللقاء كانت لافتة في نبرتها الإيجابية. الإيرانيون تحدثوا عن “محادثات بنّاءة”، والأميركيون وصفوها بـ”الخطوة الأولى المهمة”. لا يمكن التقليل من أهمية هذه اللغة، ليس فقط لندرتها في الخطاب السياسي بين البلدين، بل لأنها تأتي في وقت يبدو فيه أن كل من واشنطن وطهران قد وصلا إلى قناعة مشتركة: لا أحد يمكنه تحمل كلفة الانفجار الكبير. الموضوعات التي نوقشت لم تكن جديدة من حيث العناوين، لكنها اختلفت في النبرة والمقاربات. النووي، تبادل الأسرى، وتخفيف العقوبات… جميعها قضايا متوقعة، لكن ما تغير هو الإطار العام الذي نُسجت فيه: العودة إلى الواقعية، والتخلي المؤقت عن الشعارات القصوى.
ولعل النقطة اللافتة في هذا اللقاء، أنه جاء بعد أسابيع من تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل، وهجمات غير مسبوقة في البحر الأحمر، وتوتر متزايد بين طهران والعواصم الغربية. في هذا السياق، يمكن فهم محادثات مسقط على أنها محاولة أميركية لإبقاء خط التواصل مفتوحًا مع إيران، تجنبًا لأي مفاجآت غير محسوبة، وعلى أنها محاولة إيرانية لتخفيف الضغط وتوسيع هامش المناورة دون تقديم تنازلات
استراتيجية.
المسار لا يزال هشًا، محفوفًا بالألغام، ومفتوحًا على احتمالات متعددة. فإذا استمر الطرفان في اللقاءات، ونجحا في بناء جدول زمني محدد للخطوات الجزئية، فقد نشهد اتفاقًا مؤقتًا أو تفاهمًا مرحليًا يُبقي على جوهر التوتر دون أن يسمح له بالانفجار. أما إذا عادت الحسابات الداخلية والديناميكيات الإقليمية لتتغلب على الواقعية اللحظية، فإن لقاء مسقط سيُضاف إلى أرشيف المبادرات غير المكتملة، وستعود المنطقة إلى دائرة التصعيد من جديد.
بيد أن قراءة المزاج الأميركي – في عهد ترامب الثاني – تشير إلى رغبة في تجنب الحروب، ما دام بالإمكان إدارتها عبر العقوبات والضغوط والمساومات. أما المزاج الإيراني، المثقل بعقوبات خانقة وانقسامات داخلية، فلا يبدو ممانعًا لمقاربات تكتيكية تحفظ ماء الوجه وتمنع الانهيار الاقتصادي الكامل.
في المحصلة، قد تكون محادثات مسقط بدايةً لحوار طويل وصعب، لكنه ضروري. قد لا ينتج سلامًا شاملًا، لكنه قد يجنّب الجميع حربًا كارثية. ومن هنا، فإن أهمية اللقاء لا تكمن فقط في ما قيل، بل في ما قد يُبنى عليه. ففي السياسة، كما في التاريخ، لا تُقاس اللحظات بقوتها اللحظية، بل بقدرتها على فتح أبواب المستقبل.