الهويَّة الوطنيَّة مفتاح الوطن

آراء 2025/04/15
...

 محمد حسن الساعدي


ثمة علاقة قوية بين الأعمدة الثلاثة (الوطن، المواطن، المواطنة)، وبدونها لن يكون هناك شكل واضح للبنية الأساسية للمجتمع عموماً، فهناك ارتباط وتواصل بين هذه المفاهيم الثلاثة، وإيقاع واضح لضبط هذه العلاقة يحركها باتجاه بناء أسس المجتمع عموماً، ويضع الركائز الأساسية له.بناء أي وطن يحتاج إلى عنصرين مهمين هما (الانتماء والولاء)، فالانتماء يعني المواطنة، ويأتي هذا من الانتماء بالمواقف الوطنية التي يشعر بها ويسمى بها وطنيًا،

ومشاركة همومه، ويحمي حقوقه، ويكون له واجبات تجاهه، وبالتالي يشعر الإنسان بالانتماء لهذا الوطن، فينبع عنده الولاء له ويدافع عن حقوقه، وضمان استقراره وأمنه

 ووجوده.

العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، ويستمد وجوده من حضارته الممتدة لآلاف السنين، إضافة إلى الخلفية الدينية والعشائرية التي غرست في أبنائه حب الوطن والانتماء له، وهذا ما تجسّد فعلاً في الأدوار الوطنية التي لعبتها القيادات العلمائية والعشائرية في التصدي والوقوف بوجه أي اعتداء على العراق وشعبه. استمد الشعب العراقي وجوده وقوته من الأرض التي عاشت عليها مختلف الانتماءات والقوميات والمذاهب، على المحبة والوئام والانسجام بين جميع هذه المكونات، ويمارسون من خلاله معتقداتهم، ويشعرون بالولاء للوطن الأم من خلال إحساسهم العالي بالانتماء له. ومهما كثرت سهام الغدر، وحاولت حكومات الظلم والطغيان تخريب العلاقة، والتي ابتدأ محاولاتها النظام الصدّامي، الذي أوجد شرخًا كبيرًا بين مكوناته، فبدأ بعملية كبيرة أسماها (التهجير) للأكراد الفيليّة، إلى جانب تهجير باقي المكونات من الكرد والشيعة وغيرهم، ممن لم يسلم من بطش النظام الصدّامي، وممن اختلف معه بالكلمة أو الرأي، فترك المواطن وطنه، واقتلع الانتماء منه، فقطع الولاء، فتركوا بلا وطن وبلا موطن ليعيشوا غرباء. بعد أحداث عام 2003 برزت تساؤلات عن مفهوم المواطنة ودرجة الولاء والانتماء للوطن، وعندما نستمع للحديث الوطني لكثير من الخطابات السياسية والدينية أو خطابات الساسة في الوضع الإقليمي، يتجلّى فيها مفهوم الوطن والمواطنة، وبالتالي يعكس الهوية الوطنية للمواطن أينما كان، فلماذا لا يتحدث المواطن أو السياسي في العراق عن هذا الانتماء؟! ولماذا دائماً ما يُتَّهم بأنه بلا ولاء لوطنه أو أن ولاءه للغير؟! هنا لا بد أن يكون التاريخ حاضرًا حتى يتم الرد على هذه التساؤلات.

منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى ما سبقها، كانت مكونات الشعب العراقي جميعاً تلعب دورًا بارزًا في تاريخ العراق، من الوقوف بوجه الاحتلال الإنكليزي، ومشاركة الشعائر العربية الأصيلة التي وقفت يدًا بيد بوجه المحتل، لتعلن رفضها لوجوده على الأرض العراقية، وتحقق ذلك بخروج الإنكليز، وما تلاها من ثورات غيّرت مجرى التاريخ العراقي بشكل عام.

ما سبق يُبيّن أن المشكلة ليست في الانتماء، لأنه كان وما زال وسيظل موجودًا، ولكن الحكام الظلمة الذين حكموا العراق حالوا بين الوطن والهوية الوطنية للمواطن، فبغّضوا المواطن العراقي بفكرة الوطن، لأن ثمنها كان زنازين الاعتقال والتهجير والقتل على الهوية، وعدّوا الوطن ثقافة من ثقافات البعثيين الذين أوجدوا هذا المفهوم، ليكون لهم شعارًا كذبًا وزورًا، وصار هوية لهم، ومن يختلف معهم بالكلمة يُعدّ عميلاً للخارج، أو أنه لا ينتمي للوطن (خائن)، وتوالت الأحداث وقست على الشعب العراقي، مثلما قست ماكينة البعث المجرم، التي قطعت أي خيط يقود المواطن نحو هويته الوطنية وانتمائه الطبيعي

 لوطنه.

إن من أهم المصاديق في الهوية الوطنية، هي التي قدّمها مرجع الشيعة السيد السيستاني في لقائه البابا، عندما تحدّث بلسان كل العراقيين، ومدح هذا الشعب بكل انتماءاته، وتحدّث عن حقوق كل مكوناته بلا استثناء. لذلك، على الشعب العراقي أن يحمل الهوية الوطنية، لأن الحقوق لن تُستوفى إلا بتلك الهوية الجامعة التي نشترك فيها كلنا، لأن المكونات ستحظى بالاستقرار والأمان يوم يكون الوطن موحدًا، ونمنع من يريد تحويل هذه المكونات إلى أقليات، من خلال ربطهم بمشاريع إقليمية ومذهبية، كما جرى في بعض الدول، والتي أضرّت كثيرًا بمشاريعهم ومصالحهم، وبالتالي عرقلت انتماءهم الوطني، وهم بذلك دفعوا ثمنًا باهظًا من مصدر قرارهم ونفوذهم في 

العراق.