محمد شريف أبو ميسم
في سياق القراءات الاستشرافية لطبيعة المعطيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، تبدو مفاوضات مسقط بين الولايات المتحدة وإيران، وما سيعقبها من جولات، ذاهبة باتجاه انفراج ينهي حالة الصراع بين الغريمين. وهذه القراءة قائمة على مجموعة من الحقائق، تتقدمها الرغبة الأمريكية في إنهاء حالة الصراع والتوتر، للشروع في وضع ركائز المشروع الصهيوأمريكي على الأرض.
فقد سبق للرئيس الأمريكي "ترامب" أن أكد في أكثر من خمسة تصريحات، إبان فترة رئاسته الأولى، وتحديدًا في الأشهر الأولى من عام 2018، "أن الولايات المتحدة أنفقت سبعة تريليونات دولار خلال سبعة عشر عامًا في الشرق الأوسط، وآن الأوان لتحصد فوائد هذا الإنفاق". وفي مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في نهاية نيسان من نفس العام، ذكّر ترامب بهذا الأمر، ملتفتًا إلى ماكرون بالقول: "إن على الدول القوية أن تدفع إذا ما أرادت أن تكون شريكة لنا"، وألمح ترامب إلى أن بلاده "لن تستمر في دفع مليارات الدولارات والمخاطرة بجنودها ليكون الآخرون شركاء لها".
إذًا، فهو المشروع الشرق أوسطي، الذي أنفقت من أجله الولايات المتحدة أموالًا طائلة، وجاءت بأساطيلها لتغيّر الخارطة الجيوسياسية، بهدف السيطرة على هذه المساحة من الأرض، بوصفها مركز العالم، والأرض التي سيخرج منها آخر برميل نفط، فضلًا عن كونها مصدرًا لخامات عديدة، وبيئة أعمال مناسبة لنقل الصناعة من الشمال المكتظ بمصادر التلوث الصناعية، التي تقيّدها القوانين، إلى بيئات أعمال لا توجد فيها المحددات البيئية، وسوق كبيرة لاستهلاك السلع المنتجة، فضلًا عن كونها ملتقى لثلاث قارات تمر من خلالها نحو 40 بالمئة من حركة التجارة العالمية، ما سيساهم في تقليص نفقات حلقة النقل، والأهم من ذلك، فإن من يسيطر على هذه المنطقة، فإنه يسيطر على الجهات الأربع، وتكون له الكلمة الفصل في ملفات عديدة، في مقدمتها ملف الهيمنة والحد من التمدد الصيني والروسي، وبالتالي إقامة نظام القطب الواحد بامتياز. وهذه الدوافع كانت سببًا لتوظيف السردية الصهيونية الخاصة بأرض الميعاد، ليتماهى هذا المشروع مع المشروع الصهيوني "من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى".
وإزاء ذلك، لا يعيق تنفيذ هذا المشروع، الذي يحتاج إلى بيئات عمل آمنة ومستقرة، سوى شعار المقاومة لدولة الاحتلال، وتوريث الصراع مع الصهاينة، وقد آن الأوان لتدفق الرساميل إلى أهم بيئات هذا الشرق، بهدف الاحتواء الاقتصادي وإقامة أشكال الدول الليبرالية، التي تستبدل سلطة الدولة بسلطة المال، تحت مظلة العولمة. ومن أجل ذلك، يستحق المشروع فك الخناق عن إيران، إذا ما تخلت عن دعم المقاومة، واكتفت بحصول ضمانات على الأرض، تحقق لها السيادة على أرضها، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
من جانب آخر، فقد كان للحصار، بكل أنواعه، الذي فُرض على إيران منذ عام 1980 وحتى اليوم، أثرٌ كبير على الجانب الإيراني، ولم تجنِ إيران من مواقفها المعادية لـ"الكيان الصهيوني ومن خلفها الولايات المتحدة" إلا المزيد من ضياع فرص التقدم، والمزيد من العداء والكراهية مع جيرانها، بعد تقديمها في الإعلام ومواقع التواصل بوصفها دولة توسعية لها مشروع طائفي تريد به أن تهيمن على المنطقة. فكان للإنفاق العسكري ودعم المقاومة حصة الأسد من التخصيصات المالية، في ظل اقتصاد محاصر وإيرادات محدودة، علاوة على رغبة حلفائها في دول الجوار الإيراني في الكف عن الصراع مع دولة الاحتلال، والمضي باتجاه عدم توريث الصراع، أملًا في التنمية الاقتصادية، عن طريق فتح باب الاستثمارات للرساميل الأمريكية التي تقودها الأسر التي تحكم العالم، نزولًا عند معطيات الأمر الواقع، وخشية من إمكانية تأليب الرأي العام المنساق مع مؤثرات العولمة الاقتصادية والثقافية والسياسية. ومن هذا المنطلق، تبلور رأي ضاغط - وعلى ما يبدو- داخل الأروقة الإيرانية، يقوده التيار الإصلاحي، للخوض في التفاوض، والقبول ببعض التنازلات التي لا تمس السيادة الإيرانية، ويضمن لإيران دور الشريك الاقتصادي.