{طريفيَّة}

ثقافة 2025/04/15
...

 كاظم الحسن


يلتقط الروائي هنا المفردات الجنوبيَّة التي تتعلقُ بأسماء الناس وتتصدر "طريفيَّة" المشهد على غرابة الاسم وتصغيره والمعاناة التي تكابدها من جرائه في مونولوج داخلي، أقرب الى المونودراما في المسرح. ويخير المؤلف سلمان كيوش في مستهل روايته، القارئ، في اختياره بين احتمالين، كلاهما ممكن أنْ يعدَّ الأحداث وحركة الشخوص خيالاً محضاً. أو أنْ يتحرى الدقة فيكتشف أنَّ ما يجري في هذه المدونة وقع لأناسٍ كثيرين فعلاً، ولكنْ بأسماءٍ أخرى، وهو الاحتمال الأرجح. وتبدأ الرواية بسؤالٍ عصيٍ على الإجابة! وهو كيف يمكن إيجاز "طريفيَّة"؟

هي خلطة بين ما توقعته موجوداً عند الله، وما موجود عند الناس، فأضفت عليهم ممَّا لدى الله وحده، أو أنها انتظرت من الناس أنْ يكونوا مثله سبحانه، فقد كانت تنظر بعدسة قلبها المكبرة فرأت الناس أكبر ممَّا هم عليه، وانتظرت منهم ما لا يأتي.

ويجسد الدفتر هنا الحياة التي تبدأ "طريفيَّة" في سرد مرارتها من الاسم الذي سوف يصغر في ما بعد: أنا، يا دفتري، امرأة جللتها الخيبات التي ابتدأت باسمي الذي طوقني به أبي حال ولادتي في العام 1959 على ضفة "رفيعة" اليمنى للهابطين بمشاحيفهم باتجاه الهور، وعلى اليسرى للآيبين منه، فهو "طريفيَّة" مهلهل ثويني. تجلّت خيبتي الأولى حين كان أبي يغضب في وجه الصغار الحفاة من أقراني لأنهم يصرون على تصغير اسمي ليكون مجرد "طريفيَّة" بزيادة ياء ممدودة طويلة تشعرني دائماً أنَّ نصيبي من الخيبة سيكون ممدوداً مثلها. لم يكن يدرك أنَّ الفارق ليس نوعياً بين طرفيَّة وطريفيَّة المصغرة، فهو فارق درجة فقط، فكلاهما لا يتورعان عن جلدي وإشعاري أنَّي امتدادٌ بائسٌ وتافهٌ لمن حولي، مع أنَّ طرفيَّة يبدو مدللاً مقارنة مع "جريوه" أو "ركة" مثلاً.

تُرى، بماذا فكر مهلهل وهو يمنحني أولى خيباتي؟ لمَ لمْ يسمني على اسم أمه الجميل مثلاً "موحة"، أو اسم جدتي لأمي "نعناعة" أو اسم أمي المصغر "غنيدة" نفسه، فهو في الأصل "غند" ليغدو بيتنا مزهواً بـ"غنيدتين". طريفيَّة لم تعتمد التسلسل الطبيعي للأحداث في دفترها، موضوعة النزوح كان يجب أنْ يكون قبل الذي سبقه لكي يتسق عرض الأحداث التي مرت بها عائلة مهلهل. قد تكون أدركت بحسها المأزوم، أي الموضوعات أكثر وقعاً على نفسها من بين ما اختارته للكتابة. ودفترها لا يعدو أنْ يكون شهقة غريق، وتشبثاً يائساً بطوق النجاة تراه أبعد من متناولها، لذا هي لا تولي تناسق الأحداث أهميَّة.

الرواية صادرة حديثاً عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب بواقع 311 صفحة، للروائي سلمان كيوش وهو كاتبٌ ومترجمٌ وأستاذٌ أكاديميٌّ| يحملُ شهادة الدكتوراه في التربية وعلم النفس، له مجموعة من الكتب المترجمة عن اللغة الإنكليزيَّة وكذلك كتبٌ عدة في السرد والفولكلور والنصوص المفتوحة.