فنُّ الحرب.. استراتيجيات وتكنيك الكتابات الإبداعيَّة

ثقافة 2025/04/16
...

جاكلين سلام


هل يخوض الكتّاب حروبهم الفكريَّة والأدبيَّة في ما بينهم، وهل ينتصرون أم يندحرون في المهارات الفنيَّة، معادلة الوقت والموهبة والجوائز، أو غياب النقد أو حضوره؟ فنتأمل هذه الكتاب"فنّ الحرب للكتّاب" للبروفيسور الأمريكي الشهير جيمس سكوت بيل، والعنوان يحيل إلى كتاب قديمٍ معروفٍ عالمياً ويخصُّ الحرب بمعناها الحقيقي عنوانه (فن الحرب) لكاتبٍ صيني صن تسو كان فيلسوفا، وجنرالاً عسكرياً وكاتباً. ويتوقع المؤرخون بأنه توفي عام 496 قبل الميلاد، يذهب فيه للبحث في أخلاقيات الحرب والخطط الاستراتيجيَّة للحروب وحصل على شهرة مرموقة مؤخراً في الغرب وترجم إلى لغات عالميَّة.

بعض الاقتراحات العمليَّة

 في صناعة كتاب مختلف

يريد مؤلف الكتاب توجيه الشعور بالغيرة إلى طاقة لخلق المزيد من الكلمات والكتابات "حوّل الغيرة إلى طاقة ومزيد من الكلمات". الغيرة تعتري الروح البشريَّة ولعل شكسبير هو من الذين عبروا مراراً عن هذه الخصلة البشريَّة في مسرحياته وأبطال "عُطيل" و"يوليوس قيصر" مثلاً.

حين تعتريك موجة حادة من الحسد والغيرة لأنَّ أحد الأصدقاء الكتاب أنجز كتابة جيدة وحاز جائزة أو استضافة تلفزيونيَّة، ما عليك إلا أنْ تغضبَ قليلاً من نفسك ثم تتوجه إلى الكومبيوتر تكتب نصَّاً أرقى. لا تبدد طاقتك الإبداعيَّة في الموت حزناً وغيرة من نجاحات الآخرين. دائما سيكون هناك من هو أوفر حظاً ونضجاً وملاءمة للسوق ومتطلباتها وسياستها غير المعلنة.


ماذا عليك كمبدعٍ أنْ تفعل أمام جدار يحجب صوتك وأفكارك؟

ورد في الكتاب أفكار كثيرة ومنها:

اكتب أي شيء كان. اكتب عن النحل، عن الشر والخير، اكتب رسالة إلى رئيس دولتك، إلى شخص تحبه أو تكرهه. ليس بالضرورة أن تكون مهذباً وأنيقاً وباهراً. قم بفعل شيء مختلف عن الروتيني.

ضع الشخصيَّة التي تكتبها أو الموضوع أو كاتباً عبقرياً آخر في رأسك، وحدّق فيه ملياً. تمسك بالشخصيَّة واستدرجها الى مائدة الكتابة. مثال: كان جون هيوستن يكتب مسودة لفيلم "موبي -ديك" الرواية الشهيرة وحين وصل الى نقطة ميتة مع اقتراب موعد تسليم العمل ولم ينجز المطلوب، نظر الى المرآة واستدعى شخصيَّة الكاتب "هرمان ميلفيل" الى رأسه وروحه، ثم جلس الى الكتابة وأنجز ما تبقى من العمل. 

اختر كاتبك ملهمك إلى مائدة ذهنك وابدأ العمل على تكسير العائق بينك وبين استمرار مشروعك الأدبي أو الفني.

ابتكر أي صنف آخر من أشكال الإبداع التي لم تجربها من قبل. وهذا يساعد على تحفيز الطاقة الإبداعيَّة على التحرر والانطلاق من جديد. حاول ممارسة التمارين الرياضيَّة والمشي.

اكتب عشوائياً أحياناً. افتح صفحة من رواية أو كتاب لا على التعيين. اختر سطراً واكتبه على دفترك ثم قم بتأليف مشهد حول الموضوع وفي الختام احذف السطر الذي كتبته استعارة الآخر. ويجب في هذا الحالة ألا يقع الكاتب في شبهة "التلاص".


ماذا عن الكتابة الساخرة والفكاهيَّة؟

هل الكتابة الإبداعيَّة الكوميديَّة الساخرة، صعبة المنال؟ أم سهلة لدرجة الاستخفاف بها كما يعتقد البعض؟ في هذا الكتاب لفت انتباهي فصلٌ يتحدث عن كتابة الكوميديا ومشقات الإقدام عليها إنْ لم تتوفر الموهبة. يشير الكاتب إلى نقطة مهمة: كي تكتب كوميديا جيدة، عليك أنْ تجعل الشخصيات تؤمن بأنها في حالة تراجيديَّة. بينما المتلقي يعرف أنها غير ذلك. وعادة جعل المأساة التافهة، هي اللبنة الأساسيَّة لكتابة كوميديَّة ناجحة.

اكتب النقلة الكوميديَّة عن أشياء تافهة ثم اجعل المشاهد تأخذ منحى خارجاً عن السياق بحيث تفشل الشخصيات في الحصول على ما تريد.


لا تبدد طاقتك.. تذكّر اسحق عظيموف!

من استراتيجيات وتكتيكات الكتابة المتخيلة: الاحتفاء بالوقت وعدم هدره. الحرب مع الوقت مهمة عسيرة، جبهة الكاتب الأعزل إلا من أفكاره وشياطين رأسه وخيالاته، وهذه مسألة مهمة في الكتابة والتأليف. يرد في الكتاب أنَّ الروائي اسحق عظيموف كتب 700 كتابٍ قبل أنْ يغادر العالم. كيف استطاع أنْ يقوم بهذا؟! لقد كان في حربٍ مع الوقت الذي بين يديه، ولم يترك فرصة في حياته ولم يستغلها في الكتابة. وفي زوايا بيته كان هناك طابعات، وفي كل ظرف هناك قلمٌ وفكرة كي يضع أفكاره قبل أنْ تتبخر.

وكي تستغل الوقت في هذا المجتمع الجشع، عليك أنْ تضع هدفاً وخطة للوصول إلى خط النهاية بسلامٍ ومعك شخصيات روايتك وأفكار وقصص في رأسك الذي يعشعش فيه عالمٌ متناقض ولا مرئي. الوقت عدوك إنْ لم تروضه، صرعك. عليك أنْ تنجز كتابك من دون تقاعسٍ وخوفٍ من مواجهة القراء إذا كنت مؤمناً بهدفك وغايتك.


هل تعلمنا هذه الكتب فنون الكتابة العظيمة، هل تصنع شاعراً أو روائياً؟

بتصوري، إنَّ مثل هذه الكتب تعطي للمتلقي فرصة نقديَّة نادرة وبطريقة تطبيقيَّة وسلسة بعيداً عن النظريات الأكاديميَّة الأدبيَّة التي قد تكون معقدة ولا يتذوقها إلا المتخصص في هذه الحقول. وسيكون هناك دائماً من يقبلها ومن يعترض عليها ويعدّها بدعة وتجارة رائجة في هذا الزمن.

الزمن والكتابة والمنافسة

الكتابة اختراقٌ وعراكٌ مع الوقت. ونحن لا نملك سوى اللحظة التي يجب أنْ نصنعَ منها شيئاً جوهرياً إذا عرفنا اللعبة وأصولها والنكهات السريَّة كأفراد على الهامش أو في الواجهة. الزمن غريمنا أو شريكنا في هذه الحرب مع الوجود، وفي كل محاولة لتهذيب صورة كتبنا وتقنياتها، نكون أمام فرصة للخلق ولتحرير الذهن من القيود والرتابة ـ وفي كل كتاب يتجدد الصراع ما بين الكاتب ورغبته في خلق موازنة بين الجمالي والمثالي في مواجهة الوجود الشرس الناقص إلى أنْ يصل المبدع إلى خط النهاية منتشياً أو غارقاً في الشعور بالفراغ الذي لم تردمه الكلمات. 

لا تخض حربكَ أيها الكاتب وحدك، خذ القارئ معك إلى جبهتك السلميَّة، إلى صفحات كتابك الذي ينتصر للحريَّة والسلام وزخم المعرفة التي توحد بين أبناء الأرض. واعلم أنَّ القارئ نبيهٌ ويعرفُ كيف ببساطة يرمي الكتاب حين يضجر من الثرثرة فيه والتصنع وافتقاد الحميمة والتشويق.


Book Title: The Art Of War For Writers. James Scott Bell

By James Scott Bell. published 2009