الإصلاح الضريبي.. خطوة نحو تنويع الإيرادات وتحقيق العدالة

اقتصادية 2025/04/16
...

 بغداد : نور نجاح عبد الله


في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، يتصدر ملف الإصلاح الضريبي سلم أولويات السياسات الحكومية، باعتباره خطوة حاسمة نحو تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية التي ما زالت تشكل العمود الفقري للموازنة العامة. ومع أن نسبة الإيرادات الضريبية في العراق لا تتجاوز 1 إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم متدنٍ مقارنة بالمعايير الدولية، إلا أن هناك إجماعاً واسعاً بين الخبراء على ضرورة المضي قدماً بإصلاحات شاملة وجذرية تسهم في بناء نظام ضريبي عادل وفعال ومتوازن.

ويرى مختصون في الشأن المالي والاقتصادي، أن منطلق الإصلاح يبدأ من توسيع القاعدة الضريبية لتشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، سواء في القطاع الرسمي أو غير الرسمي، مع ضمان أن تسهم المهن الحرة والقطاعات الخدمية والتجارية في رفد الخزينة العامة. ويتطلب ذلك تحديثاً شاملاً لسجلات دافعي الضرائب، عبر إنشاء قاعدة بيانات مركزية دقيقة تشمل الأفراد والشركات والمؤسسات، وتتيح تعقب الدخول وتقييم الالتزامات الضريبية بشكل دقيق وشفاف.

ويشدد الخبراء على أهمية تبني نظام تصاعدي للضرائب، يفرض نسباً أعلى على أصحاب الدخول المرتفعة والأرباح الكبيرة، مقابل منح إعفاءات أو تخفيضات ضريبية للأسر والأفراد من ذوي الدخل المحدود، تحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية وتقليلاً للفجوة الاقتصادية بين الفئات المجتمعية. كما يعد تعديل قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 أمراً ملحاً، نظراً لتقادم نصوصه وعدم مواكبتها للتحولات الاقتصادية والمالية التي شهدها العراق خلال العقود الماضية.

في حديثه لـ»الصباح»، يذهب الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، إلى أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال تغيير جذري في البنية التشريعية والمؤسسية، داعياً إلى إعادة كتابة القوانين الضريبية بما يتلاءم مع طبيعة النظام الاقتصادي العراقي المعاصر، وإنشاء هيئة جديدة تُبنى من الصفر وتُدار من قبل كوادر شابة لم يسبق لها العمل ضمن النظام الضريبي التقليدي، بل تمتلك مؤهلات أكاديمية وخبرة في أنظمة الضرائب العالمية. كما يؤكد التميمي ضرورة أتمتة النظام بالكامل واستخدام التكنولوجيا في جميع مفاصل العمل، من التقييم وحتى التحصيل، بما يعزز من الكفاءة والشفافية ويقلل من فرص التلاعب والفساد.

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي لـ»الصباح»، إلى أن أبرز التحديات التي تواجه النظام الضريبي في العراق، هو تقادم التشريعات والآليات الإدارية المعمول بها، ما أدى إلى ضعف في مستوى الشمول الضريبي وتراجع فعالية الجباية. ويرى أن تحديث النظام يتطلب تبسيط الإجراءات، ورفع كفاءة الكادر الوظيفي، وتطوير أدوات الرقابة الداخلية، إضافة إلى تعزيز الشفافية في العلاقة بين المواطن والدولة، بما يقلل من معدلات التهرب الضريبي ويزيد من الامتثال الطوعي.

أما الخبير المالي صفوان قصي، فيلفت إلى أن العدالة الضريبية لا يمكن تحقيقها من دون ترقيم الدخول وتوثيقها بدقة في مختلف القطاعات، سواء الزراعية أو التجارية أو الخدمية، مع رفع حدود الإعفاء للأفراد والعائلات الفقيرة لحمايتهم من الآثار السلبية للإصلاح. ويقترح تتبع الحسابات المصرفية للشركات والأفراد للتحقق من مصادر الدخل وأنماط الإنفاق، بما يسهم في بناء صورة واضحة عن الملاءة المالية للمكلفين. وفي تصريح لـ»الصباح»، دعا إلى ربط الضريبة برغبات المواطنين في الإنفاق العام، بحيث يتم توجيه نسبة منها إلى قطاعات محددة مثل التعليم أو الصحة وفقاً لاختيارات المكلف، ما يعزز من الرقابة المجتمعية والثقة في جدوى النظام الضريبي.

في المقابل، يؤكد مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، أن الحكومة أطلقت بالفعل ثماني حزم إصلاحية تتعلق بالضريبة، أهمها إدخال شرائح جديدة من قوى السوق التي كانت تتهرب من دفع الضرائب، واعتماد التحصيل الإلكتروني لتقليل الاحتكاك بين المواطن والموظف. ويقارن صالح بين العراق ودول مثل الدنمارك التي تصل فيها ضريبة الدخل إلى نحو 46 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفسر قدرة تلك الدول على تمويل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي بجودة عالية، بينما لا تتجاوز هذه النسبة في العراق حدود 2 بالمئة، ما يعكس هشاشة القاعدة الضريبية واستمرار الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية.

ويشير صالح إلى أن البرنامج الحكومي يهدف إلى رفع نسبة الإيرادات غير النفطية، لتبلغ 20 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة في المستقبل القريب، بدلاً من النسبة الحالية البالغة نحو 7 بالمئة فقط، عبر توسيع المشمولين بالضريبة، واعتماد أنظمة تكنولوجية حديثة، والعمل على تعديل التشريعات، بما فيها قانون ضريبة الدخل والملكية الذي لم يشهد تحديثاً منذ أكثر من أربعة عقود.

وبرغم وضوح الرؤية الإصلاحية وتعدد المبادرات، تبقى التحديات قائمة، وفي مقدمتها ضعف الثقة بالمؤسسات الضريبية، وقصور البنية التحتية التقنية، وغياب ثقافة الالتزام الطوعي لدى فئات واسعة من المجتمع، إضافة إلى غياب الحوكمة الرشيدة في توجيه عائدات الضرائب نحو الإنفاق التنموي. ويرى المراقبون أن النجاح في هذا الملف الحيوي لن يتحقق إلا عبر إرادة سياسية قوية، وإصلاح إداري عميق، وشراكة فعلية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، من أجل بناء نظام ضريبي عصري وعادل يواكب تطلعات العراق في التنمية والاستقرار الاقتصادي.