حبيب السامر
تتعدد أدوات الفنان العراقي في تجسيد الواقع المعيش لإعادة صناعة تأريخ اللحظة عبر رسم دلالاتها بضربات ريشته الواخزة، وتنمو على قماشة اللوحة الأشكال الحياتية، لكن وفق منظور فنانها، لذلك نجد الفنان هاشم تايه في معرضه الأخير “تسليات القانط” يبهرنا بممارسته المتجددة وهي تظهر للملتقى والمتابع الأشكال والهياكل الهلامية التي تكاد تقترب من الرسوم الكاركاتيرية بقصدية تامة.
خمسة وثلاثون عملا فنيا ضمه معرضه الشخصي الذي أقيم في جمعية التشكيليين العراقيين في البصرة، وبواقع مجموعتين من الأعمال تمثل الأولى متن المعرض والتي انجزت بمادة الأكريليك على القماش وتستخدم بشكل شائع لأغلب الرسامين، والثانية نفذت بمواد غير تقليدية، مواد مهملة، معزولة، منفية بالبيئة التي نعيش فيها، التقطتها وأعاد تكييفها وإنتاجها على سطح تصويري، وهذا النمط من الأعمال يركز على المهمل والمهمش والمستهلك، حيث سبق أن أقام معارض مشابهة عديدة سابقة، ويكمل هذا المعرض سيرة معارض أخرى لكنه أكثر تطويرا وتنويعا عن أعمالي السابقة وتأكيدا على رؤيتي الشخصية في تمثيل أنماط الحياة، هكذا يتسلى القانط في الفن وهو يمثل متعة فكرية وجمالية بسبب وضعه في الحياة التي نشهد فيها الكثير من المشوهات البشرية التي تتحرك على سطح اللوحة وتعطي إشارات تترجم دواخل الرسام النابه وتوضح أفكاره الساخطة على واقع تتقافز فيه الأقزام داخل إطار المساحة التي حددها الفنان.
يعبر هاشم تايه عن مخزون تراكماته الحياتية من خلال مزججات ولوحات استخلصها من المهمل في الحياة والمستهلك ليصعق الواقع الهش بكائنات طفيلية اتخذها سمة واضحة للتجريب المستمر لإيصال أفكاره ومدلولات لوحاته التي اتسمت بالبساطة، لكنها تحمل ترميزات ذاهلة لهذه الأشكال المحفزة لترميم الحياة، مستثمرا لغته الشعرية والسردية في انفتاح اللوحة وبناء وحدة موضوعية للمعرض الذي أعطى رسالة عميقة عن الواقع، إذ تنهار منظومة التابوهات الجاهزة لتحقق صلة جذرية مع أنماط الحياة في تشخيص تلك الملفوظات المستباحة لتبني حلقة التأويلات لهذه الأشكال المتقافزة، الصارخة، والصامتة التي تحاول أن تكسر إطار اللوحة وتتحرر خارج حدودها لتسر لنا حكايتها
الكبيرة.