رحلة في تحولات الرواية العراقيَّة

ثقافة 2025/04/17
...

  بغداد: مآب عامر


يرى مروان ياسين الدليمي في كتابه النقدي "علامات سرديَّة" أنَّ سقوط النظام السابق عام 2003 كان نقطة تحول جوهريَّة أمام الروائيين لاستكشاف موضوعاتٍ كانت محرمة سابقاً، كالتاريخ المعقد والهويات المهمشة والصراعات الاجتماعيَّة. 

كتاب "علامات سرديَّة" الذي صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، تناول تطور المشهد الروائي العراقي من العام 2003 حتى 2024 عبر تحليل 36 رواية لكُتاب من أجيالٍ مختلفة. 

ويسلط "علامات سرديَّة" الذي يقع في 338 صفحة الضوءَ على التحولات الفنيَّة والسياقيَّة التي شكلت هويَّة الرواية العراقيَّة، بدءاً من تحررها من قيود الرقابة إلى انفتاحها على تقنيات سرديَّة عالميَّة.

ويشير الدليمي عبر كتابه إلى أنَّ غياب الرقيب الأمني سمح للرواية بالمنافسة مع الشعر، الذي كان مهيمناً بسبب إمكانيَّة تمويه أفكاره عبر الترميز. فبعد عقود من "التخمة الشعريَّة والشح الروائي"، برز جيلٌ جديدٌ من الكتَّاب استثمر الحريَّة في تشريح الواقع والماضي بجرأة. 

ويستعرض الدليمي مسيرة الرواية العراقيَّة منذ انطلاقتها متناولاً محمود أحمد السيد في رواية "جلال خالد - 1928"، التي عدُّت أول رواية عراقيَّة، مروراً بجيل الستينيات الذي مثّله رواد مثل فؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان. وهنا يؤكد مؤلف الكتاب أنَّ "هذا الجيل نقل الرواية من السرد الذاتي المباشر إلى فضاءات أكثر تعقيداً، حيث ابتعد المؤلف عن تدخلاته المباشرة، واهتمَّ بتعدد الأصوات وبناء الشخصيات ككائنات نصيَّة مستقلة".

ويلاحظ المؤلف أنَّ الرواية العراقيَّة الحديثة تبنت تقنيات سرديَّة عالميَّة، كـ "الميتاسرد" السرد الواعي لذاته، واستخدام اليوميات والمذكرات، متأثرة بتيارات ما بعد الحداثة في أوروبا وأميركا اللاتينيَّة. كما تبرز هذه الأعمال تشكيكاً في الروايات التاريخيَّة الرسميَّة، وتعتمد على التخييل لإعادة قراءة الماضي، غاية في الكشف عن حقائق مغيبة. 

وعلى الرغم من الإنتاج الغزير للروايات بعد 2003، إلا أن الدليمي يحذر من التوسع الكمي الذي قد لا يعكس بالضرورة تقدماً نوعياً. ويجد ضرورة مواكبة هذا النمو بوعيٍ نظريٍ وفلسفيٍ يعيد تفكيك المفاهيم الفنيَّة، ويلائم خصوصيَّة السياق العراقي. فـ"الرواية العراقيَّة الخالصة" التي تتميز بأسلوب فريد، كما يرى المؤلف، لا تزال مشروعاً قيد التأسيس، يحتاج إلى وقت وجهد لبلورة هويَّة متفردة. 

الكتاب يؤكد دور الرواية كأداة لمساءلة التاريخ وإعادة تشكيله، حيث يمنح التخييل الكاتب حريَّة التحليق بين الوقائع والأساطير. ولا يغفل الدليمي الإشارة إلى تجربته الإبداعيَّة، كإصداره روايتي "اكتشاف الحب - 2020" و"ما تخيله الحفيد - 2022"، فضلاً عن إنتاجه الشعري والنقدي في السينما والمسرح.