السودان.. أزمة على طريق الحل

آراء 2019/07/15
...

حازم مبيضين
 
لم يزح اتفاق الخرطوم، العسكر من أعلى هرم السلطة في السودان، بل جعل رئيس المجلس، في موقع رأس الدولة لما يقرب من العامين، لكن قوى الحرية والتغيير ترى في الاتفاق تلبيةً لتطلعات الشعب، كونه يحقق مدنية السلطة ويحلّ المجلس العسكري. فقد أنهت أيام المفاوضات ما يقرب من ثلاثة أشهر من المعارك السياسية والميدانية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير
، باتفاق بدا أشبه بتوافق سياسي، وليس تسليماً للسلطة كما كان قادة الحراك يطالبون. هو اتفاق من شأنه تشكيل سلطة مدنية لمرحلة انتقالية من ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، مطعَّمة بالعسكريين في أعلى هرم الحكم.
لا شك في أن من شأن الاتفاق حلّ المجلس العسكري، وإحلال ثلاثة هياكل محله: سيادية وتنفيذية وتشريعية. لكنه في واقع الأمر، لا يقصي عساكر المجلس، لا سيما رئيسه عبد الفتاح البرهان، الذي سيتولى رئاسة «السيادي» في المرحلة الأولى، في حين لم تُحسم الغالبية لِمَن في المجلس الذي يمثل رأس الدولة. ويبدو أن ما قبل الاتفاق ليس كما بعده. فالمطالب التي شدّدت عليها قوى الحرية والتغيير لم تعد في سلم الأولويات، وبالمقابل وكما رفضت الحركات المسلحة توقيع الاتفاق، خرجت قوى سياسية تقليدية، رأت أن العسكري مارس الإقصاء بحق الأحزاب السياسية عبر حصره التفاوض مع الحرية والتغيير.
 
فقد منحت التسوية العسكري اليد العليا في البلاد في المرحلة الأطول من الفترة الانتقالية، بلباس سلطة ذات هياكل مدنية، وذلك حتى قبل أن تُحسم نسبة تمثيل كل طرف فيها، لاسيما منها المجلس السيادي الذي يمثل رأس الدولة، والذي أعطيت رئاسته لرئيس العسكري، مع ترك الباب مفتوحاً للاتفاق على المقعد المدني الحادي عشر وبعيداً عن الثغرات، يبدو الدور الخارجي، قادراً على تبديد أي خلاف بين الطرفين، فاتفاق تقاسم السلطة اختراق تحتاج إليه البلاد بشدة، لكنه ليس حلا طويل الأمد للأزمة السياسة في السودان، واحد الخلافات المحتملة سيكون حول التشكيلة النهائية للبرلمان الانتقالي فالتوصل لاتفاق بشأن الهيئة التشريعية يشكل خطرا. ومن شأن ذلك أن يصبح معضلة جديدة، وحتى في أفضل السيناريوهات، ستمضي السودان في مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات خلال السنوات المقبلة
 
سرعة الحراك في السودان، يقابلها بطء الحركة في الجزائر، فمنذ إزاحة بو تفليقة تقدمت المعارضة خطوة واحدة أن أجبر نواب رئيسهم معاذ بوشارب على الاستقالة، أما السودان فقد ظهرت معارضة حقيقية، قادت الاحتجاجات وأدارت عملها بكفاءة وذكاء خبيث، بتطويع المتظاهرين لتحقيق مكاسبها، أما في الجزائر، فقد خرج محتجون ولم تتشكل معارضة تقليدية، والمعنى هنا قيادة للشارع. فما زالت السلطة الجزائرية تنتظر جواباً من المعارضة لتوفير قيادات جادة للحوار. وهكذا تخلص الجولة الثانية من الحراك العربي إلى نتيجة واضحة: في السودان معارضة تقود، وفي الجزائر جيش يشرف، ولذا تزامن البلدان في إبعاد قائديهما، تسارعت الخطوات في السودان، وبقيت الحركة بطيئة جداً في الجزائر.
 المهم أن الاتفاق يشكل تطورا مهما في مسار الأزمة السياسية التي يعيشها السودان وخطوة في طريق تشكيل حكومة جديدة، ومن شأن الاتفاق أن يسهم في تهدئة الشارع ويحد من الإضرابات والعصيان المدني وغيرهما من الاحتجاجات التي عطلت الأعمال بشكل خطير في جميع أنحاء السودان، اما القرار بشأن من سيشغل المقعد المدني الذي يجب أن يتفق عليه الطرفان فقد يشكل نقطة خلاف رئيسة بين المجلس العسكري وقوى المعارضة، إذ تشير التقارير الأولية إلى أن المقعد سيخصص لعسكري متقاعد منخرط في العمل المدني، أي أنه سيؤول إلى المجلس، الأمر الذي سيعطي الجيش اليد العليا في إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية من خلال المجلس السيادي.
الأشهر المقبلة صعبة، وستمتحن قدرة أعضاء مجلس الحكم على الصبر بعضهم على بعض، ورغم المحاذير؛ فإن الأمل كبير في التفرغ لإعادة ترتيب أوضاع البلاد، ولو عادت للسودان حياتها العادية وبدأت عجلة التنمية تدور، فإن في البلاد إمكانات كبيرة تنهي حالة الفقر والهروب الجماعي الذي يقدر بملايين السودانيين الذين غادروا البلاد في العقود الماضية.