عبدالامير المجر
بعد ان اقدم نابليون بونابرت على مغامرته الشهيرة، المتمثلة بغزوه روسيا في العام 1812 وقع النقيب الفرنسي (سافي) في الاسر، واودع سجن (ساراتوف)، وعلى الرغم من انتهاء الحرب وسقوط اكثر من نابليون في فرنسا، الاّ ان الاسير سافي ظل قابعا في قفص الاسر، في انتظار فرج لم يأت ابدا، لان حكومات بلاده المتعاقبة لم تطالب بتحريره، وهكذا امضى منكود الحظ هذا، مئة عام ويوما واحدا، قبل ان يتوفاه الله، حيث بلغ من العمر 144 عاما أي انه اسر وهو في الرابعة والاربعين! ويقال ان رجال مدينة ساراتوف، كانوا اكثر وفاء له من كل الحكومات الفرنسية، حيث قاموا بتشييعه الى مثواه الاخير، ليطوي عمره الطويل بعيدا عن بلده. مطلع هذا العام، كتبت مادة بعنوان (اليمن.. لعبة ترويض النمر) وكانت خلاصتها، ان هناك قوى دولية، لاتريد للحرب في اليمن ان تنتهي، وان معركة الحديدة التي كادت تنهيها، اوقفت بارادة خارجية، لان الهدف ، كما ذكرت هو .. ((وضع اليد على موانئه ومرافقة المطلة على البحر الاحمر، للتحكم بهذا الممر الملاحي الهام، واغراض اخرى)).. مجريات المواجهة الاميركية الايرانية الحالية في الخليج، تشير، في اخر تجلياتها، الى ان اميركا بدات تعمل على اقامة تحالف عسكري دولي، لحماية ممرات الملاحة الدولية، في الخليج ومضيق باب المندب وخليج عمان، اي ان وصاية دولية قادمة ستفرض، ليس على هذه الممرات فقط، بل وعلى دول المنطقة التي ستكون، وبشكل دائم، تحت رحمة البوارج والسفن الحربية للدول الكبرى، بذريعة تامين الملاحة الدولية. مايعني عدم اعتراف تلك الدول بأهلية دول منطقتنا للقيام بهذه المهمة.. فهل حقا اننا غير مؤهلين لذلك؟ وهل بتنا بمواجهة كولونيالية
جديدة؟..
في الحقيقة، نعم، والسبب هو نحن. لاننا لم نقرا المستقبل بشكل يجعلنا مستعدين لمثل هكذا تحديات، وان حكومات دول المنطقة، من حيث تعلم او لاتعلم، مهدت لذلك بسياساتها العدائية تجاه بعضها، وفتحت بهذه السياسة الابواب للدول الكبرى، وكإن قرنا من الزمن مرّ على الحملة الكولونيالية الاولى مطلع القرن الماضي، ليس كافيا لكي ننضج واقعا سياسيا صحيا، يجعلنا اكثر قربا من بعضنا، لاسيما بعد الدروس الكبيرة التي
تلقيناها..
لقد بقيت بعض الانظمة اسرى قناعاتها العقائدية غير ممكنة التحقق، واخرى بقيت متحجرة في تعاملها مع المتغيرات الكبيرة التي حصلت في العالم، لاسيما بعد انهيار المعسكر الشيوعي، مطلع التسعينيات، وظهور واقع دولي جديد، كان ينبغي قراءته والتعامل مع استحقاقاته برؤية سياسية واقعية وليست عقائدية، تحول دون خلق تصور مشترك يدرأ عن الجميع مخاطر بدت محدقة، مع بداية رفع شعار، (دمقرطة الشرق الاوسط) ومن ثم (الشرق الاوسط الجديد او الكبير) وغيرها، ما يعني ان هناك مخططا معدا، لاحداث تغييرات جيوسياسية، سيمهد لها بهزات عنيفة، ابتدأت بحصار العراق بعد تدميره في العام 1991 ومن ثم احتلاله، والتداعيات اللاحقة التي اسهمت بها اغلب انظمة المنطقة او انجرت للدخول في متاهاتها، باجندة متعارضة ايضا، فكان من نتائج هذه السياسة قصيرة النظر، حصول هذا الطلاق الكبير بين الانظمة، والذي مهد لهذا التدخل الذي جاء بذرائع معلنة، تخفي وراءها الكثير... اعلان الولايات المتحدة الاخير عن اقامة تحالف عسكري دولي لحماية الممرات الملاحية، ياتي في سياق الهدف الابعد، الذي سيمهد لتداعيات اخرى، قد تنتهي بتجزئة المجزأ ووضع اليد الكولونيالية من جديد على شعوب المنطقة لقرن قادم!
انه اسرنا الطويل الذي قد ينتهي بقبرنا حضاريا في بلداننا التي ستكون غريبة علينا، بعد ان تصبح كانتونات يقاتل بعضها البعض، وهذا في صلب المخطط الكبير الذي لم نقرأه حتى الان ايضا!.