منى محمد زيارة
كثيراً ما يرادوني حلم العيش في عصر الاربعينيات والخمسينيات لشدة انبهاري بما أسمعه من أمهاتنا وكبيرات السن في مجتمعنا وكثرة ترديدهن مقولتهن الشهيرة (الله على ايام زمان )، (شيرجع ايام زمان) .
عندما كنا صغاراً لم نفهم المعنى أو القصد مما يقلنه لكن مع تقادم السنين وبعد ان كبرنا وعايشنا التغييرات التي عصفت ببلدنا وعلاقاتنا الاجتماعية بما فيها علاقاتنا مع الجيران ادركنا عمق هذه الكلمات , فمع التطور العلمي والتكنولوجي والروبوت وطائرات الشبح والاجهزة اللوحية وغيرها , بدأت العلاقات الاجتماعية تشهد انحسارا وضموراً لا يستهان به , تقول احدى جاراتنا بهية شاكر (ام علاء) :عندما كنت في العاشرة من عمري اندلع حريق هائل في بيتنا , لم يكن في البيت سواي انا واخي الصغير محمد , هول الصدمة جعلني احتضن اخي واقف من دون حراك حتى احسست ان دمي تجمد في عروقي , لكن ماهي الا دقائق معدودة حتى سمعت احد جيراننا (ابو هادي) وهو ينادي باسمي بهية ..بهية لم اجبه لاني لم استطيع حتى تحريك شفتيّ من الخوف , لكن عندما تجمع الجيران وبدؤوا بإخماد النيران بدأت بالصراخ حتى وصلوا إلي , تصوري لو لم يكن هنالك احد لمساعدتنا كيف سيكون الحال بالتأكيد سيتحول كل شيء الى ركام , تكمل ام علاء كلامها , في السابق كانت كل البيوتات في الزقاق عبارة عن عائلة واحدة نتزاور من دون مواعيد ونأكل في أي بيت يروق لنا , لا توجد اسرار او خفايا بيننا فالكل كتاب مفتوح , نفرح معاً ونحزن معاً , لكن يا (بنيتي) وهي الكلمة المحببة إلي الحال غير الحال الان كان الجار سنداً لنا بعد الله لكن الان الوضع اصبح مختلفا فالجميع مغلوب على أمره لانعرف من تزوج ومن نجح او حتى مات الا بعد فوات
الاوان .
وكثيرة هي حكايات الزمن الجميل مثلما يحلو للبعض تسميته فيكفي ان نرى صور هذا الزمن لنرى روعته ونقائه فاجتماع النساء امام بيت احداهن لشرب الشاي وتبادل الاحاديث حتى عودة ازواجهن من العمل او غناء ورقص الجميع في حفل زفاف ابن احدهم والفرح الغامر الذي تفضحه الوجوه الباسمة .
كلنا نعرف ان ضغوط الحياة والعمل هي من تسيـــّــر حياتنا لكن هذا لا يمنع ان نسرق ولو لحظات من يومنا بالسؤال عن بعضنا البعض ليس فضولاً منا بل تواصلاً محبباً يشعرنا بأن هنالك من يهمه معرفة أخبارنا والاطمئنان علينا .
كل جيل يحن للذي سبقه لكننا نقول ان لكل زمن حلاوته وإيجابياته وروعته التي تكمن في استمرارية علاقاتنا الاجتماعية وتواصلنا مع من نحب.