سجلت صفحات التاريخ الحديث إقدامَ قادة وأعوانٍ عسكريين على تنفيذ انقلابات وتغييرات في أنظمة الحكم في دول عربية عدة استهلت صبيحة اليوم الأول بقراءة بيانات وقرارات منع التجوال ومنع حركة الناس والعجلات لتنهال بعدها برقيات التأييد والولاء من جهات وشخصيات وشيوخ عشائر في وقت كانت فيه عامة الشعب تقف منتظرة ومترقبة ما الذي سيحصل وماذا ستجني من المتغير الجديد التي أصبحت على خبره وإعلانه مثلما كانت حال أغلب الأحزاب والحركات السياسية التى لم تسهم بدور رئيس في الثوراث والانقلابات خصوصاً تلك التي لم يكن ضمن أدبياتها وخطاباتها برامج لتسلم السلطة وما بعدها و لم تجد لها سبيلاً إلا التقرب للحكام الجدد والتبعية لهم لغرض المشاركة في
الحكم.
وبعد عقود من السنين التي شهدت أحداثاً كثيرة يبدو السؤال مهماً عما حدث فعلاً لإعادة القراءة المنصفة لمجريات الماضي وهل وجدت الشعوب ضالتها وتلمست طريق أمانيها عقب تلك المنعطفات، ثم ما هي الدوافع الحقيقية التى كانت وراء سعي الضباط الى سدة الحكم أهي مغريات السلطة أم لشعور وطني بضرورة الإجهاز على الحاكمين وتبديل الحال والأوضاع التي كانت سائدة آنذاك؟.
ومن المعروف إنَّ أغلب الضباط كانوا يرجحون توجههم وعقيدتهم العسكرية على أي انتماء حزبي أو حركي وعبر مسيرتهم المهنية لم نلحظ انشغالهم بالسياسة غير اهتمامهم بالحركات والمهمات العسكرية ليجدوا أنفسهم بعد زمن طويل في صدارة قيادات تولت الإطاحة بأنظمة الحكم وهنا لا يمكن لأحد أنْ ينكر وطنية ضباط شجعان كان لهم الدور الفاعل في تحقيق مطالب الشعب ولكنهم قلة قليلة تبعاً لما شاهدناه مع بدء حالات السحل والقتل والغدر والانتقام التي رافقت الأحداث حتى أمسى هاجس ضباط برتب كبيرة التفكير مع أنفسهم القيام بانقلابات عسكرية لاغتنام مكاسب السلطة وعلى نقيض ذلك هناك من ضرب مثلاً أعلى في تغليب المصلحة الوطنية بتسليم السلطة الى آخرين حال نجاح الانقلاب.
ولا شك إنَّ طبيعة التنشئة والبيئة الاجتماعية الى جانب الانحدار الطبقي لها الأثر البالغ في تكوين وتطلع الشخصية العسكرية سايكولوجياً ومجتمعياً ولرسم وتحديد العلاقة مع الآخرين وإيلاء الاهتمام بهمومهم ومعاناتهم، فهل يمكن لضابط منحدر من عائلة برجوازية او أرستقراطية أنْ يكترث أو أنْ يلتفت الى أصوات (الجماهير الفقيرة الكادحة) وسماع مطالبها الشعبية الملحة حسب المصطلحات الثورية في القاموس السياسي آنذاك!
وفي العودة الى التاريخ فقد سجلت ثورة 23 يوليو/ تموز عام 1952 التي فجرتها مجموعة من الضباط المصريين أولى المتغيرات لتتوالى بعد ذلك التاريخ الثورات والانقلابات التي قادها عسكريون في دول عربية أخرى ايضاً ومنها العراق الذي شهد تغير النظام الملكي عام 1958 لتعقبه في سنوات لاحقة أحداث دموية مريرة بسبب حمى الصراع على السلطة وكثرة الانقلابات والمؤامرات والمحاولات الفاشلة في حين انه منذ الانقلاب العسكري الأول الذي قاده الفريق بكر صدقي في العام 1936 وحركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الاربعة عام 1941 لم يشهد التاريخ انقلاباً آخر حتى قيام الجمهورية!.
ترى هل أنصف الثوار العسكريون الشعوب أم إَّن عنجهيَّة واندفاع بعضعهم أصبح وبالاً عليها خصوصاً بعد نشوء دكتاتوريات عسكرية جديدة لم تحتمل المتغيرات التاريخية وإرادة الشعوب وتوقها الى الحرية والتغيير؟
سؤالٌ كبيرٌ أمام حكم التاريخ بعد التجارب المرة والظروف القاسية والمحن التى عاشتها الشعوب على مدى أكثر من نصف
قرن.