السيناريو النووي

آراء 2019/07/16
...

علي حسن الفواز
سيناريو السلاح النووي هو مصدر الرعب المثير في منطقة الشرق الأوسط، وعديد الدول تعملُ على مقاربته بوصفه تهديداً دولياً، ومجالاً لإشاعة فكرة التسليح النووي من قبل دول تعاني من مشاكل داخلية كبيرة، ومن أنظمة سياسية مستبدة، يمكنها أنْ تُدخِل اللعبة النووية في سياق مغامراتها وحروبها..
الانشغال الدولي بموضوع (السلاح النووي) الإيراني، يكشفُ عن الطبيعة السياسية المعقدة التي تقف وراء هذا الهاجس، ووراء الصراعات والمشكلات الأمنية التي تهدد منطقة الخليج والإقليم برمته، ولعلَّ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، والذي حظيَ بإجماع الدول الكبرى، وبمصادقة واضحة من مجلس الأمن، هو ما أعطى للسياسة حضورها كخلفية صادمة لهذا الاتفاق، فوجود إيران قوية، حتى وإنْ كانت غير نووية يعني تهديداً واقعياً أو رمزياً لاسرائيل النووية، والسياسة الأميركية بمزاجها الجمهوري أو الديمقراطي تعمل للحفاظ على الأمن الاسرائيلي، وتقطع الطريق على كل من يهدد هذا الأمن، وهذا ما ترجمه عملياً الرئيس الأميركي ترامب، حين أعلن الانسحاب من الاتفاق الدولي، داعياً الى اتفاق جديد، وبملحقٍ أمني يعمل على تحجيم القوة الأمنية والعسكرية والاقتصادية الإيرانية، وهذا ما أثار شجن الجميع، وأحرج الدول الكبرى الموقعة والضامنة للاتفاق، مثلما فتح الباب لصراعات إقليمية يمكن أنْ تكون سبباً في تهديد الأمن العالمي، والتجارة العالمية، وتفتح شهية الحروب العابثة للجميع.
 
الخوف النووي
قد يكون الخوف من فكرة الخطاب النووي الإيراني سببه تحويل إيران الى لاعب إقليمي في المنطقة، وبعلاقات سياسية وعسكرية لها أدوارها المهمة في مناطق الصراع الإقليمي، لا سيما في سوريا واليمن ولبنان، وهو ما يتقاطع مع سياسات الأمن الأميركية، والتي وجدت في بعض دول الخليج مناطق رخوة لإعادة إنتاج الملفات الأمنية والعسكرية والسياسية في المنطقة، ومعالجة مشكلات ذات طابع مقلق لإسرائيل، مثل (القضية الفلسطينية) والتي كانت الموضوع الرئيس في ورشة (البحرين) وفي الحديث عما سُمّي بـ(صفقة القرن).
احتواء القضية الفلسطينية، وإفقادها طابعها التاريخي يعكسُ في جوهره خوفاً مركباً من (الضمير الإنساني) الذي يساكن هذه القضية منذ أكثر من ستين عاماً، مثلما يعكس خوفاً من إيران الداعمة الرئيس لهذه القضية، لا سيما في جانبها الخطابي الثوري والعسكري، وهذا ما يجعل الموقف الأميركي والاسرائيلي والبعض الإقليمي أكثر تشدداً، وتطرفاً، وأكثر هوساً في البحث عن كل ما يهدد إيران، ويُلجم نزعتها الثورية، ويحد من وجودها في ملفات المنطقة المعقدة 
والمفتوحة.
لغة الرئيس الأميركي وفريقه الراديكالي يعيش هاجس المواجهة، وحتى سيناريو الحرب، لكنَّ معطيات الواقع قد لا تسعف هذه اللغة للتمثيل، وللذهاب الى المعركة الحقيقية، لأنها حتماً ستكون حرباً خاسرة، بالمعنى السياسي والاقتصادي، وحتى بالمعنى الانثربولوجي، إذ ستكون سبباً في فتح أبواب الجحيم على الجميع، وفي تهديد العالم، فضلاً عن دورها في دفع الجماعات العنفية لإعادة إنتاج وظائفها، وفي فتح أفق غير مُسيطر عليه لحركة لاجئين ستهدد أمن أوروبا والعالم. 
وأحسب أنّ سعي دول الاتحاد الأوروبي للحفاظ على الاتفاق النووي يعكسُ مدى القلق من هذه المغامرات، ومن أنْ تكون أوروبا ساحة خلفية للصراعات التي ستتركها حروب العبث الأميركي وسياسات ترامب غير
المنضبطة.
السياسة المغشوشة
ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو فرض سيطرتها الدولية على العالم، وعلى حركة التجارة والأسواق، وأنْ يظل الدولار هو العملة الذهبية للتداول وللسيطرة، وهذا دفعها لفتح حروب تجارية مع الصين وروسيا وأوروبا والمكسيك وتركيا وغيرها، وحتى حربها ضد إيران، وتحت واجهات متعددة، ليست بعيدة عن الحسابات التجارية، فإيران بلد ذو إمكانات كبيرة، وأسواق واسعة، لكنها بعيدة عن اليد الأميركية.
لذا تبدو سياسة الرعب التي يروّج لها الرئيس الأميركي هي سياسة مغشوشة، ومحمولة على استعارات ذات طابع أمني، وأخلاقي، وهو ما يدفع هذا الرئيس للتغريدات المتناقضة، في بحثه عن حوارات عميقة مع إيران، مقابل فرضه المزيد من العقوبات عليها، وحتى التغريدات التي تخصّ الملف النووي تدخل في سياق هذا الغش السياسي، فصناعة السلاح النووي لا تشبه صناعة الأحذية، وإنَّ خزنها واستخدامها وتقاناتها تحتاج حتماً الى تغطية سياسية دولية كبيرة، كما 
حدث خلال حصول الهند وباكستان على هذا السلاح.
من هنا ندرك خطورة هذا التمادي، وهذا التوريط الذي تندفع إليه بعض الدول، تصديقاً بالسردية الأميركية، أو تعبيراً عن الإحساس بالضعف، أو بحثاً عن حرب قد تحترق فيها جميع الأوراق، أو ربما رغبة أميركية لا واعية في إعادة إنتاج سياسة القطب الواحد، أو التبشير بـ(نهاية التاريخ) على طريقة فوكوياما، عبر تحطيم كلِّ حلفاء روسيا الجديدة التي تملك لوحدها فرصة تخريب هذه الأحلام الأميركيَّة.