مسك الأرض واستئصال بقايا العدو

آراء 2019/07/17
...

وليد خالد الزيدي 
 
أساليب الحرب تتناغم إلى حد بعيد مع تطور الصراع بين القوى المتحاربة والتغيرات الحاصلة في مجرياتها، بيد إن صاحب النصر بنهاية المطاف هو من يستثمر تجارب الحرب ويستفيد من دروسها ويتعرف على أهمية الإلمام بنقاط  قوتها، وإدراك مكامن الضعف الذي يتخللها طيلة مراحلها
، تلك بعض مضامين الحروب التقليدية التي تحصل بين  مختلف الجيوش، بسبب نزاعات بعض الدول لدواع شتى، لكن طبيعة الحرب مع المجاميع الإرهابية تختلف عن تلك الحروب، فالصراع معها سمته الغالبة ذات منهج يولي أهمية للحرب الخاطفة والخدعة والمناورة
، فعناصر تلك المجاميع ليس لها وطن ولا تختفي وراء ساتر معين بحد ذاته، ولا تقاتل بشكل جبهوي(متقابل)، ذلك الأمر لا وجود له في صراعنا معها،فهي تسعى لان يكون ميدان معركتها كل ارض العراق،وليس موقعاً محدداً بذاته،لذا يجب أن يتوقع قادة قواتنا ومقاتلونا هجوماً عدوانياً مباغتاً في أي موقع وفي كل وقت
،وهنا يصبح من الضروري القضاء عليها جذرياً وعدم ترك أفرادها لأي سبب
،لأنهم في حال افلتوا من القتل لن يعودوا إلى بلدانهم بل يعيدون الكرة مرة أخرى، تلك النظرة وجدت لها مساحة واسعة من التطبيق في قتالنا مع عصابات داعش الإرهابية، وتمثلت في عمليات إرادة النصر في مواقع قتال نينوى وصلاح الدين والانبار باتجاه الحدود مع سوريا، لمسك الأرض وملاحقة بقايا فلول داعش المنهزمة، بإشراف قيادة العمليات المشتركة ومساهمة قواتنا الباسلة وبصنوف قتالية منظمة كقوات عمليات الجزيرة،والحشد الشعبي
،والاستخبارات العسكرية،وطيران الجيش،والحشد 
العشائري.
وتلك العمليات ضمن صفحات قتالية هدفها القضاء على فلول داعش، والتخلص من زمره وضمان عدم عودتها إلى العراق، لكي لا تكون منطلقاً لأعمال إرهابية 
أخرى.
تلك الصفحات القتالية حققت أهدافاً كثيرة كتطهير مساحات واسعة من مناطق كان يسيطر عليها التنظيم، وتأمين طرق عديدة كان يقطعها،وقتل مجاميع كبيرة من الإرهابيين،وتدمير أوكارهم،وحرق عجلاتهم ،وعلى ما يبدو إن قواتنا البطلة كانت منظمة بشكل مهني، فحققت أهدافها 
بدقة.
ولا مناص من إدراك بعض الحقائق في تجربة الصراع مع الدواعش،لاسيما ان المناطق المستهدفة مفتوحة واغلبها صحراوية،وفيها بعض المرتفعات، ومن تلك الحقائق إن فن الحرب يستند في معظم مضامينه على السرية والكتمان والسرعة والمباغتة والغش والاختفاء،حتى لا يمكن للعدو أن يحصل على فرصة للتهيؤ أو الاستعداد للقتال،والدفاع، هذا الأمر سيقودنا حتماً لإنهاء مصيره والانقضاض عليه،كما يجب أن يكون موقع العدو المستهدف طي الكتمان قبل مهاجمته
،ذلك ما يجعل التنظيم يشغل نفسه في جميع المواقع، فتضعف قواه
، وتتشتت أفكاره،وتتفرق صفوفه،فمبدأ المباغتة من قبل قواتنا سيكثر قتلى العدو،ما يكسب الثقة لجنودنا ويزعزع معنويات الإرهابيين،ومن المهم أن ندرك أيضا إن جيشا من دون وسائل نقل ومؤن ووقود وذخائر وخزين كاف من الأسلحة في الميدان،لا فائدة منه،لذا يجب ضمان تماس للقوة المهاجمة مع موقع القيادة لتأمين الإمدادات
،ولم نكن قادرين على النصر إن لم نعتمد ادلاء محليين في مواقع القتال،لتجنب الوقوع في كمائن الأعداء،وكثير ما يفضل قادة الحروب الأكفاء أن يكون المخطط العسكري كجريان المياه يتجه من الأعلى إلى الأسفل لكي يريح من جهد جنود القوة المهاجمة،وينهك أفراد 
العدو.
ومن فوائد تجربة الصراع مع المجاميع الإرهابية  أهمية التصرف عكس بعض بديهيات فن الحرب التي تؤكد على عدم قطع الطريق أمام جيش منسحب، وعندما يحاصر يفضل أن تترك له ثغرة لينسحب وينهزم،وعدم الضغط عليه
،والابتعاد عن مطاردته اثناء الانسحاب،لكن لو تعاملنا مع الدواعش اساساً على تلك البديهية،فلن نضمن هزيمتهم والانقضاض عليهم أو إنهاء عدوانهم أو انكفاء شرهم،فلا بد من استئصال بقايا فلولهم وإنهاء مصيرهم في ساحات 
القتال.