[I]
ما هي الإشكاليات التي هي اليوم من أولويات الباحثين في السُّوسيولوجيا والآنثروپولوجيا؟ إنَّنا أمام تساؤل التَّساؤلات العِلميَّة- السُّوسيولوجيَّة اليوم. في هذا المعنى لا يمكن لأية قائمة أن تضم ما هو إشكالي اليوم. كل ما يوجد ويكون أمام العقل العلميّ، اليوم، لهو إشكالي، أو لا يكون.
فإذن ماذا نفعل؟ نكشف عن المصدر المعرفيّ الذي انطلاقاً منه تُبنى الإشكالات والإشكاليات اليوم.
[II]
هذا التَّساؤل هو محمولٌ على الآتي: تقديم إشكالات وإشكاليات أو مسائل ومسأليَّات Problem, Problematique، جاهزة للباحثين في السُّوسيولوجيا. وهذا ضرب من الفهم العادي للعلم. العلمُ إنَّما هو يُبنى، أو لا يكون. و[موضوع- العلم] إنَّما هو يُبنى ويُخلق، أو لا يكون. لا ثَمَّةَ إشكالات، وإشكاليَّات، والحال هذي، تُقدِّم نفسها جاهزةً.
إنَّ الإشكال من جهة كونه مضمون الموضوع النظريّ، وإنَّ الإشكاليَّة، من جهة كونها منظور الموضوع النظريّ، إنَّما هما يقومان على فهم للموضوع هو (أي الفهم) يجد ذاته وحيداً. إنَّ الإشكالات والإشكاليات التي تُقدم جاهزةً إنما هي [في- كُلِّ- مَرَّةٍ] ليست أكثر من ضروب فهم آيديولوجيَّة، من دون أدنى شك.
[III]
فإذن، كيف تُبنى الإشكالات، والإشكاليات العِلميَّة بالمجتمع والإنسان، وموضوعاتهما؟
كل ضرب من ضروب فهم العالَم بالعودة إلى مرجع يُحدِّد، هو فهم [على- الضِّدِّ- مِنْ- الفهم]. إنَّنا لا ننكر وجود مفاهيم قَبْلِيَّةٍ لابُدَّ من أنْ نستند إليها في بناء الفهمِ Understanding Construction بأشياء العالَم، لكن، هذي المفاهيم تفقد علميَّتها في اللَّحظة التي فيها تتحول إلى مرجعيات فهم يتوقف الفهم عندها. ليس، والحال هذي، في المجتمعات العربيَّة، أهم من إشكال العلم بالمجتمع والإنسان، وإشكاليَّة العلم بالمجتمع والإنسان، انطلاقاً من كون تساؤل [موضوع- العلم] لم يُبنَ بعد، كفايةً وبإحكام.
[IV]
إنَّه علينا أن نعودَ إلى لحظة البدء التي من شأن إنبثاق إشكال العلم، وإشكاليَّة العلم، ضمن علوم المجتمع والإنسان. ويجب أن نقوِّمه مرة أخرى، وأخرى، وأخرى.
إنَّ إشكال العلم، إذا ما أُخِذَ من جذره، إنَّما هو هذا: الإنتقال من فهم المجتمع كمجموعة من البشر، هكذا كيفما اتُّفِقَ، إلى فهم المجتمع ككليَّة وكوحدة منطقيَّة.
إنَّ إشكاليَّة العلم، كذلك، إذا ما أُخذت من جذرها، إنَّما هي هذي: الإنتقال من العلاقة السَبَبِيَّة المتمثلة بأخذ المجتمع إنطلاقاً من الأفراد، إلى أخذ الأفراد إنطلاقاً من المجتمع. والفرق بين المحطتين المنهجيَّتين فرق كبير جداً. وهكذا، نكون أمام الهدف الأساسي للعلم بالمجتمع والإنسان الذي يتمثَّل في بناء مفهوم الدولة الحديثة، وبناء مفهوم المواطن، والمواطنة، وبناء مفهوم المجتمع، والمجتمعات القائمة على سلطة القانون المَديني، وسلطة القانون المَديني فقط.
[V]
إنَّ ذلك، من جهة أن العلوم هذي إنَّما هي علوم الفهم، وبناء الفهمِ [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، ومن حيثُ إنَّ ثَمَّةَ سُلَطاً كثيرة تتمثَّل مصلحتها المجتمعيَّة في عدم الكشف عن الفهم الجذري بموضوعات المجتمع والإنسان، إنَّما هو لا يقوم إلاّ في اللَّحظة التالية لبناء فكرة الديموقراطية ضمن بِنيَة الثقافة، مجتمعيَّاً، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ. وهكذا، كل إشكال، وكل إشكاليَّة، اليومَ، لا تضطلع، جذرياً، بموضوعات مجتمعاتنا، الإنسانيَّة والمجتمعيَّة، انطلاقاً من إشكال العلم، وإشكاليَّة العلم، لهي تكون خارج العلم، ولو لم تكن واعيةً بذلك.