تحولت العلامات المتعلقة بالمظهر، تحديداً الألوان، إلى عنصر محدد للهوية الجنسية للطفل، ففقدت الألوان حيادها، وأصبحت إحدى علامات التمييز بين الذكورة والأنوثة، من مراحل الطفولة الأولى وحتى سنوات العمر المتقدمة.
أتاح التطور في المجال الطبي للأهل تحديد جنس المولود الجديد منذ الأشهر الأولى للحمل، ومعه تبدأ التحضيرات والتجهيزات لاستقبال القادم الجديد، فيتم اختيار الملابس وزينة غرفة النوم وقوالب الحلوى وما إلى ذلك من أمور، فإذا كان القادم أنثى سيطر لون الزهر على الأجواء من غرفة المستشفى إلى البيت، وإنْ كان ذكراً فاللون الأزرق هو سيد ألوان مراسم الاستقبال، وفق طقوس تكرس تلك الصورة النمطية التي أصبحت رائجة في وقتنا الحالي وتتناقلها الأجيال المتعاقبة، بأنّ الزهر للبنت والأزرق للصبي، لكنْ ما هي حقيقة وجذور هذه التفرقة اللونية بين الذكر والأنثى؟.
بدأت هذه الظاهرة في القرن التاسع عشر، قبل ذلك الوقت كان الأطفال ذكوراً وإناثاً يرتدون ملابس بيضاء موحدة، لسهولة تنظيفها وتعقيمها من دون تفرقة، لاحقاً بدأ التحول تدريجياً إلى الأزرق والزهر، واللافت أنه في البداية كان يتم اختيار اللون الزهري للأولاد الذكور، لأنه لون جريء وقوي، بينما كان الأزرق لوناً هادئاً يلائم الفتيات، ليتم في وقت لاحق التحول الذي بقي رائجاً ومتبعاً لدى أغلب الأهل حتى وقتنا الحالي، حين بدأت معامل وشركات الملابس بترويج هذا التمييز في ملابس الأطفال.
تجدر الإشارة هنا إلى دراسة أجريت في بريطانيا عام 2011، أثبتت أن الطفل من عمر سنة إلى ثلاث سنوات لا يميز ولا يبدي أي ميل في اختيار اللون المفضل لديه، لكنَّ إحاطته بلون محدد منذ ولادته تولد لديه تفضيل لون على آخر، فتميل الفتيات لاختيار الزهر ومشتقاته، في حين يختار الصبيان الألوان
الداكنة.
لاحقاً بدأ ارتباط اللون الزهري بكل ما هو أنثوي، وكأننا أمام تأنيث لهذا اللون، فأصبح رمزاً لكثير من الحركات النسوية والجمعيات والأنشطة التي تهتم بالمرأة، وشعاراً لأنشطة توعويَّة خاصة بالنساء، مثل حملات التوعية للفحص المبكر لسرطان الثدي الذي يرمز له بشريط من اللون الزهري، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي بات يعرف بالشهر
الوردي.
ربما كان التمييز في ألوان الملابس بين الذكور والإناث، مجرد صدفة أو موضة حدثت ذات يوم، لكنَّ اللجوء إلى تكريسها بشكل متواتر يتحول إلى مشكلة، قد تتسبب بأزمة لطفل قد تضطره ظروفه لارتداء لون وسم بأنه “بناتي” أو “صبياني”، فيتعرض للاستهزاء من أقرانه.
يلعب الآباء الدور الأول إضافة إلى باقي أفراد المجتمع، في تبني الأولاد لأفكار وفوارق ودلالات حول هويتهم الجنسية، من خلال تكريس تلك التفرقة اللونية، من دون التفكير في سبب وكيفية ولماذا ذلك، في تكريسٍ لنمطيَّة اجتماعيَّة متداولة، ليتهم يقرؤون ما قاله جبران خليل جبران ذات يوم: “أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، مع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم، أنتم تستطيعون أنْ تمنحوهم محبتكم، لكنكم لا تقدرون أنْ تغرسوا فيهم بذور
أفكاركم”.