كيف يمكن قراءة خبر مفاده “واشنطن تطلب من روسيا وقف نفوذ إيران في العراق ولبنان في إطار أي تسوية مستقبلية للحرب السورية” هذا الخبر تناقلته وسائل اعلام محلية عن القناة الاسرائيلية الـ13 أثناء الاجتماع الثلاثي بين مستشاري الأمن القومي، الأمريكي جون بولتون، والإسرائيلي مئير بن شبات، والروسي نيقولاي باتروشيف، في مدينة القدس أواخر الشهر الماضي.
للوهلة الأولى في هذه القراءة يستشف المتلقي وببساطة، ان هؤلاء المستشارين يمثلون ثلاث ارادات دولية فاعلة في المنطقة، وهي في الغالب لها الدور الأبرز في ادارة الأحداث التي تبسط تداعياتها على معطيات اللحظة وهي تصنع التاريخ في اطار ستراتيجي تلتقي فيه مصالح هذه الارادات السياسية مع بعضها تارة وتنفرد تارة أخرى الارادة الروسية عنهما، ضاغطة على المعطيات لتوسيع مساحة النفوذ وتكريس التواجد حيال مشروع كبير للإرادة الأمريكية والإسرائيلية وهو يواجه وبشكل واضح تحديا كبيرا مع طرف رابع تمثله الحليفة ايران للجانب الروسي. ومن الواضح أيضا في سياق القراءة، ان هذا الطرف لا يقل دوره في التأثير على حركة الأحداث في هذه الدول الثلاث (العراق، سوريا ولبنان) بما يشكل عائقا، يحول دون تحقيق أهداف المشروع الأمريكي الاسرائيلي، وبالتالي جاء في سياق الخبر “ ان طلب التدخل يأتي في اطار أي تسوية مستقبلية للحرب السورية” ما يعني ضمنا ان سوريا التي أعيدت الى الخلف بنحو قرن من الزمان بعد التدمير الذي لحق باقتصادها وبنيتها التحتية ونسيجها المجتمعي، أصبحت في ظل سياسة الأمر الواقع التي فرضتها روسيا في الأحداث السورية بمنأى عن المطامع الأمريكية والاسرائيلية، بضمان التواجد الروسي الذي سيمنعها من العودة الى خط المواجهة مع اسرائيل ، واذا ما تمعن القارئ أكثر في سياق الخبر سيجد في متن هذا الخبر ما ينذر بتقديم تنازلات أمريكية اسرائيلية للجانب الروسي في سوريا، مقابل ضمان خروج ايران منها، ومن العراق ولبنان، ما يشير في النهاية الى محاولة التفاف لفك لحمة التحالف الروسي الايراني بضمان مستقبل التواجد الروسي في قلب المشروع الشرق أوسطي الذي أنفقت عليه الولايات المتحدة نحو سبعة ترليونات دولار بحسب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، وزيادة عزلة ايران في سياق متن الخبر الذي تضمن بحسب القناة، طلب (المستشاران الأمريكي والإسرائيلي، أن يتضمن أي اتفاق بشأن مستقبل سوريا تفكيك مصانع الصواريخ الدقيقة التي تطورها إيران لـ”حزب الله” في لبنان). وهو طلب لا يبدو واقعيا في سياق الستراتيجية الايرانية في المنطقة والتحالف القائم بين الحكومتين السورية والايرانية، فما بالك والجانب الإسرائيلي شدد أثناء اللقاء “بحسب الخبر” على أن خروج إيران من سوريا بحد ذاته لن يحل شيئا إذا كانت المشكلة الإيرانية قد انتقلت ببساطة إلى لبنان أو العراق. وعلى هذا الأساس طالب المستشاران الأمريكي والاسرائيلي من نظيرهما الروسي (وقف إمداد طهران للفصائل الموالية لها في العراق بصواريخ بعيدة المدى قد تطال إسرائيل).
هنا يمكن طرح التساؤل الآتي: ما الذي يمكن أن يقدمه الجانب الروسي ومن خلفه الأمريكي والاسرائيلي، الى الجانب الايراني ليضع هذه الطلبات في موضع واقعي؟، وما الذي يمكن أن تجنيه ايران مقابل تنفيذ هذه الطلبات؟ . للوهلة الأولى يمكن القول إن رفع الحصار الاقتصادي عن ايران وايقاف الحرب الاعلامية عليها سيكونان، بوادر حسن نية، يمكن أن يعقبها توقيع اتفاقية تضمن لا يران وجودا أكبر في مستقبل المشروع الشرق أوسطي بما يعزز مصالحها الاقتصادية وتبادلاتها التجارية ويكرس شراكاتها مع الأطراف الدولية ويجعلها شريكا مقبولا مع أصحاب المشروع الشرق أوسطي، بيد ان صعوبة القراءة تكمن خلف الشعار العقائدي الذي ترفعه ايران ما يرجح الرفض ويهدد التحالف الروسي الايراني، وهنا المربط البديل للفرس، الذي جاء من أجله هذا اللقاء الثلاثي، والأيام المقبلة يمكن أن تكشف عن مدى صحة هذه القراءة من عدمها.