حسين العادلي
• في مرحلة التأسيس الديمقراطي تحتاج الدولة إلى التوافق الوطني، وفي مراحل الإدارة للحكم تحتاج الدولة إلى التوافق السياسي، وفي كلتا الحالتين لا تقوم أو تستمر دولة بالتوافق العرقطائفي المكوناتي، فهو أولاً توافق محتال على الديمقراطية، وثانياً هو توافق هدّام يقود لا محالة إلى تكريس مشروع الدويلات على تعدد مكونات الدولة التي ما تلبث أن تعيش الصراع في الدولة وعلى الدولة، فتقود إمّا الى تقسيم الدولة أو إلى قيام دويلات الأمر الواقع، وهو ما حذّرنا منه عراقياً كصيغة حكم بعد الخلاص من الدكتاتورية 2003م، ونحذّر منه الآن باعتباره ما زال ساري المفعول يتجدد مع كل استحقاق حكومي.
• حسب موسوعات المصطلحات السياسية، فالتوافق الوطني هو: (الثوابت والأسس التي تختارها أغلبية المواطنين المنتمين للأحزاب وغير المنتمين، يُترجم ذلك بالدستور أو الاستفتاءات أو الانتخابات)، والتوافق السياسي هو: (اتفاق عام بين الأحزاب السياسية على إدارة شؤون البلد بناءً على أسس توافقية بغض النظر عن حجم تمثيلها البرلماني)،.. نرى هنا أنَّ التوافق الوطني يشتغل في حيز التأسيس للدولة وفي قضاياها المصيرية، والتوافق السياسي يشتغل في حيز الإدارة للحكم على أساس من برامج انتخابية تتبناها الأحزاب القانونية ذات الهوية الآيديولوجية المحددة.
• إنَّ ثلاثي: التوافق الوطني + التوافق السياسي + الحزب القانوني، هو الذي يؤسس للدولة والعملية الديمقراطية ويضمن تجاوزها للعقبات والمصدات بانسيابية ونمو مطرد،.. طبعاً التوافق الوطني المقصود هنا هو التوافق القائم على وفق مبدأ الأغلبية الوطنية السياسية وليس الأغلبية أو الغلبَة القومية أو الطائفية أوالإثنية فهي تؤسس لدكتاتورية الأكثرية الفرعية على حساب قوميات وطوائف وإثنيات أمة الدولة، فالدولة الديمقراطية تؤسس شرعيتها على وفق مبدأ الأغلبية الوطنية السياسية التي تمثّل الاتجاه العام لإرادة الأمة الوطنية على تنوع شعوب وهويات ومصالح مكونات الدولة استناداً إلى مبادئ المواطنة والمشاركة والعدالة والمصالح المشتركة. أيضاً فالتوافق السياسي والحزب القانوني المراد هنا هو توافق/اتفاق أحزاب وطنية تستند إلى ثوابت التوافق الوطني لإدارة الحكم وفقاً للقانون والمصالح الوطنية،.. لذا فالتوافق المحمود والمُنتج هو التوافق السياسي القائم على التوافق الوطني لأحزاب وطنية تمارس الحكم استناداً إلى الدستور والقانون والمصالح العامة لإدارة فعل السياسة وشؤون الحكم.
• التوافق الوطني لا يتغيّر إلاّ بإرادة وطنية عامة تتأتى بالاستفتاءات لذا فهو أصيل ومرجعي، والتوافق السياسي مرحلي ومؤقت يتأتى بعد مرحلة الانتخابات الشرعية النزيهة ويستند إلى التوافق الوطني لذا فهو فرعي متحرك،.. التوافق الوطني هو توافق أمة وطنية يمثل إرادتها ومصالحها العامة، والتوافق السياسي هو توافق أحزاب سياسية تتفق لإبداع صيغ مشتركة لإدارة الحكم،.. التوافق الوطني هنا يؤسس للدولة والتوافق السياسي هنا يدير الحكم، وعلى الأحزاب أن تدرك وتلتزم بمساحة توافقها واشتغالها هذا فيما لو أردنا دولة متّسقة منسجمة مع نفسها، وإلاّ سيكون توافقها على حساب الدولة ووحدة هويتها وأمّتها ونظامها وفعلها ووظائفها.
• كما لا يمكن القبول بالتوافق السياسي على حساب التوافق الوطني، كذلك، من غير المقبول والجائز أن يكون التوافق توافقاً سياسياً عرقطائفياً يستند إلى مبادئ المكوّن الفرعي وهويته ومصالحه، فالأحزاب والقوى المعتمِدة لهكذا نوع من التوافق ستُنتج معادلة حكم مكوناتي يؤسِس لا محالة لدولة منقسمة على نفسها ولحكم محاصصي تستفيد هي من ميزاته على حساب الأمّة والدولة.
التوافق العرقطائفي الحزبي توافق هدّام يشّل الحكم ويقسّم أمّة الدولة ويصيب وحدة فعل ووظيفة الدولة بمقتل، وعلينا مغادرته إذا ما أردنا التأسيس لحكم رشيد.