لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض من دون أن يكون هناك تعدد في الأدوار والوظائف للرجل والمرأة، إذ رسم التكوين البايولوجي فروقا طبيعية مقننة بين الرجل والمرأة، تقر بها كل القوانين والسنن الإنسانية، وعلى اختلاف مستوياتها الحضارية، فلكل نوع أو جنس بشري أدوار فيزيقية محددة تسهم كل منهما في تطوير الحياة الاجتماعية واستمرارها، وهذا التقسيم المعترف به عالميا بني على أساس قدرات كلا الجنسين في الحياة وتطورها، وقد أسهم هذا التعدد في تطور ونهضة المجتمع الإنساني ،وساعد على استمراره وتطوره، فمن دون هذه الأدوار والوظائف لا يمكن للمجتمع أن يتطور ويتدرج في تطوره ، فالفروق الطبيعية هي مسألة فيزيقية لها وجهها الحضاري والثقافي في تأكيد الوظائف الضرورية للإنسان، وهذا بكل إبعاده لم يخالف أو يتقاطع مع طبيعة التكوين الحضاري لتطور الإنسان ، إذ أكدت النظريات الانثروبولوجية ولاسيما التطورية والوظيفية، على أن تطور المجتمع الإنساني قد مر بمراحل تطورية ارتقائية وأخرى ترتبط بطبيعة البناء الاجتماعي وخصوصياته الثقافية وجميعها تؤكد أن للمرأة دورا مشهودا في كل مرحلة حضارية قطعها الإنسان في تاريخه الطويل بغض النظر عن اختلاف القيم المقيدة لدورها.
أما الفروق الثقافية والاجتماعية بين الذكور والإناث فهي التي دار عليها الخلاف ،وكثر الحديث عن الحقوق الاجتماعية والثقافية للمرأة في مختلف المجتمعات الإنسانية، وإزاء ذلك حسمت التجارب الحضارية في العصر الحديث الجدل حول ضرورة مشاركة المرأة في نهضة المجتمع وعدته شرطا أساسيا لتقدم المجتمع وتنميته ، وحتى ذوات المرجعيات القبلية والعشائرية ولاسيما في المجتمعات المحافظة في المدن قد تغيرت كثيرا قناعاتهم تجاه منع المرأة من العمل وقد اقروا بهذا الدور تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الفرد والمجتمع في المرحلة الحالية الأمر الذي استدعى حضورا للمرأة كي تسهم في المساعدة في دخل الأسرة،أما في المجتمعات الريفية التي تعارض خروج المرأة الى العمل في الحياة العامة نجدها قد استفادت من جهود المرأة في مجال الزراعة وتربية الحيوان وإدارة المنزل وتربية الأبناء وتحملها مسؤوليات كبيرة قد تفوق مسؤولية الرجل في كل ذلك ، كان تغيير قناعات بعض الريفيين في مسألة عمل المرأة في المجالات الحياتية المختلفة لاسيما بعد أن تلقت تعليما جيدا ، فضلا عن تزايد الضغوطات الاقتصادية عليها وعلى أسرها.
إن المرأة العراقية تعيش أزمات معقدة وتواجه تحديات كبيرة في المرحلة الحالية مع سرعة التغيرات التي تمر على المجتمع، لاسيما بعد سلسلة من الحروب والازمات المتلاحقة، ما افرغ طموح المرأة من محتواه ،لاسيما مع تزايد متطلبات الحياة المعيشية والتراجع الحضاري في المجالات المختلفة، وما نتج عنه من تهميش وإفقار المرأة والذي انعكس سلبا على دورها الثقافي والتنموي، إن الذي زاد من تدهور أوضاع المرأة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضعف أداء البرامج التنموية في المرحلة الحالية ، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة بين طموحها والواقع الصعب الذي تعيشه، وعلى الرغم من الجهود الكثيرة لمنظمات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة ،إلا أن جهودها تلك لم تكن بالمستوى المطلوب بسبب غياب الوعي الكامل بمهماتها التربوية والتنموية ، ومن جهة أخرى ذهاب الكثير منهن الى تحقيق مكاسب مالية.
إن تفعيل دور المرأة في نهضة المجتمع تقع على عاتق الدولة بعدها صاحبة الشأن العام مع غياب شبه تام للمؤسسات الاقتصادية للقطاع الخاص وضعف النوادي والنشاطات الأهلية ، لذا فان التأكيد على دور المرأة في نهضة المجتمع مرتبط بشكل مفصلي بالتنمية البشرية التي ستقودها الدولة والمسؤولة عن تأهيل الإنسان حتى يأخذ دوره في نهضة مجتمعه، وهو واجب يقع على السلطة التشريعية والتنفيذية بالدرجة الأولى في توجيه الوزارات المعنية والجامعات ومراكز الأبحاث للقيام بدورها في تهيئة المستلزمات التخطيطية وتهيئة المجتمع لمرحلة نهضوية تتطلبها المرحلة الحالية تنقذ الإنسان من واقعه الصعب وتخلصه من الحيرة والضياع التي يعيش فيها ،وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية صلبة تقود العملية بكاملها، وبتصميم عال على سن القوانين المشرعة وتفعيلها في مجال الاستثمار وتشجيع أصحاب الرأسمال العراقي بالمساهمة فيها ، على ألا تقتصر هذه المساهمة في المجال الصناعي والزراعي والمعماري والبنى التحتية فحسب ، إنما يجب أن ينمي الرأسمال البشري ووضع قواعد محكمة للتعليم في مراحله كافة.
إن دور المرأة العراقية في نهضة مجتمعها ينتظر من الحكومة وبرنامجها الحكومي التفكير جديا في الانتقال من مرحلة الاستيراد والاعتماد على الخارج في توفير السلع المختلفة الى مرحلة إنتاجه وفق جدول زمني محدد ومعلوم مع وضع تسهيلات وضمانات للمستثمرين في المجالات كافة، بحيث تأخذ عملية الانتقال الى مرحلة الإنتاج شكلا تكامليا في إقامة المشاريع في المجالات المختلفة، وإعطاء أولوية قصوى لمصلحة البلد في تخليصه من آفة الفساد، وتنمية الوعي الوطني الملتزم بالحفاظ على ثروة البلد خدمة للإنسان العراقي، وعندئذ ستكون عوامل النهضة قد توفرت وتصبح مشاركة المرأة في نهضة المجتمع ضرورة حتمية الى جانب الرجل.