الذاكرة الطفولية عند الرجل السبعيني

ثقافة 2019/08/07
...

 
ضحى عبدالرؤوف المل
يستكشف الروائي رشيد الضعيف  في روايته “ خطأ غير مقصود”  الصادرة عن” دار الساقي “ الذاكرة الطفولية عند الرجل السبعيني في عودة الى الاسس النفسية المؤثرة في مسار الحياة بأكمله في مجتمعات لا تزال بحاجة للنمو او للبلوغ الاجتماعي القادر على فرض الذات بموضوعية غابت عن الروائي الذي يؤثر البوح بتفاصيل تجذب القارئ الى عمق البؤرة النفسية للرجل السبعيني او حتى الثمانيني،  وهواجسه التي تحطم حتى احلامه في عمر بات بحاجة فيه الى ان يروي تفاصيله في فترات مضت وحاضر يسجله كمذكرات الرجل الامريكاني وسوزانا،   لان المستقبل المجهول لا يشكل الا مدة تأخير الرحيل ان بسبب او بغير سبب مثل صديقه نعيم الذي لم ينقذه الموت ولا حب اي صبية تعيد ترميم ما افسده الزمن، ليسخر من الايديولوجيات بوعي واقعي يبثه روائيا  بنفحة سيرة ملفعة بأغطية يزيل عنها الغموض، كلما تعمقنا في القراءة، لندرك اننا على مسار انساني يتكرر في الحياة مثل الخوف من مرحلة الفطام الحليبي عن الام الى مرحلة الفطام والابتعاد عن المرأة كأساس للمشكلات الأولى 
“ اخطأت امي خطأ قاتلا إذ فطمتني باكرا” مستخدما نبرة عاطفية هيمنت على الاسلوب السهل الممتنع الذي يتوافق مع احاسيس الروائي والتعاطف معه منذ البداية، اي مرحلة الفطام الى النهاية او الى المستحيل او اليها الى رحم فردوسه المرأة معبره الحقيقي . فهل الخطأ غير المقصود هو اخطاء الانسان القائمة على التربية الصحيحة التي نفتقدها ام على اسس الطفولة ونظريات
 فرويد؟
نغمة روائية شديدة السرد والتخيلات لواقع مبني على حقيقة هي سر الروائي في مجتمع يسلط الضوء عليه باسلوب غير مباشر  لتتطور الاحداث او تنمو وفق العمر ومشاكله، كإنسان يفشل وينجح ويتخبط في مسيرته ، الا أن للغرب نظرة الى سوزانا كنظرته للمرأة السوداء، وبتقارب زمني يثير الكثير من التساؤلات هل نحن في العالم نعيش عدة ازمنة في عوالم  سابحة في فضاء؟ ام انه يحاول منح البصيرة رؤية اخرى بالتفكر والتدبر والعقلانية ، وكل ذلك في سياق زمني ومكاني، وبتوظيف لذاكرة تفتح نوافذها للحياة وتعيد رؤية الطريق. لتجمع حتى الغرب مع الشرق في زمن مضى  حيث تتشابك الرواية باسلوب السيرة الذاتية المختبئ خلفه ذلك الطفل الذي ما ارتوى من ثدي امه وما زال يبحث عن المرأة في ازمنة اخرى،  وبمفارقات لا تخطر على البال بل وبدهشة تلفت النظر الى الجرأة التي يتحلى بها عند الدخول الى عالم الرجل، والمخاوف التي تصبح كالكوابيس في عمر ثمانيني هو يأشد الحاجة فيه لوجود امرأة  او لمن تكون قادرة على اعادة احياء ما هو كامن في النفس او القيام بعملية انقاذ بيولوجي لما مر عليه الزمن ، ولا يمكن اعادته الى فترة شبابية لا يصحو فيها الرجل ولا يفكر فيه بالموت الذي لم ينقذ نعيم منه حتى المرأة التي بقيت معه الى النهاية .
عناوين مختلفة لمراحل متعددة  هي الطريق لروائي يسير معه القارئ حيث تتبلور الفكرة واشكالية الرجل الشرقي قبل المرأة التي انتقدها في كثير من سلوكيات اعتادت عليها المرأة العربية حتى في الرضاعة والفطام،  واسلوب عيشها مع زوجها دون ان يحتكر هذه الصورة الى النهاية مبتعداً عن الكليشهات،  وان لامسها بقليل من التقارب المحفز ، لتوضيح الفروقات بين الغرب والشرق او بالاحرى التقارب الانساني بين السبيعيني في الغرب والسبيعيني في الشرق من حيث حاجاته البولوجية ونقصانها خاصة عند الاحساس بالوحدة او حيث يتوحد الانسان في كل مكان،  والتوازن المطلوب هو فهم الحياة الاجتماعية وحتى السياسية في خلفياتها التي لا تتضح الا بعد فوات لاوان حيث يبدو ان الرواية مرتبطة بفكرة واحدة يسير معها باقتضاب لا تشويش فيه كي يحافظ على الذاكرة حتى في  دفتر عام 1912 حيث تشابكت الاحداث فيه مع السيد بايكر. 
فهل صحوة الشرق هي التي تتأخر عن الغرب أم ان الزمن هنا يختلف 
عن الازمنة هناك؟
ما بين السيد بايكر وسوزانا الجاهلة السمراء البشرة هو تقريبا كما بينه وبين الخادمة السوداء من حيث الرغبة او الانسان، ولكن يختلف التاريخ بين من فرضوا الحصار وبين من عاشوا الحرب وخرجوا منها بخوف من ان تتكرر “ لم اقل لها أننا جميعا ، عربا واعاجم مقيمون في العتمة، وان لا احد منا، افرادا وشعوبا وامصارا، يملك بوصلة التاريخ “ والعتمة والتاريخ في تجدد دائم ما دام الانسان يعيش وانه اذا “اغمض عينيه عشر ثوان فقط وحاول ان يتصور المشهد...وسيرى ما لا يستطيع رؤيته
 وهو مبصر . 
فهل ابصر القارئ الخطأ غير  المقصود في رواية “رشيد الضعيف “ ام انه غزلها وحبكها لتبدو حكاية ذاتية  لرجل يروي تفاصيل  مخاوفه المرتبطة بعناوين بدأت من قسوة لا تحتمل وهي اساس المشكل الى الاسباب وهي جوهر الرواية او المستحيل ..