الاكتفاء الذاتي

اقتصادية 2019/08/19
...

محمد شريف أبو ميسم 
 

حين يطالعك خبر بشأن الاكتفاء الذاتي في انتاج سلعة ما، كما في انتاج المحاصيل الستراتيجية، والخضر الصيفية وانتاج بيض المائدة، تذكر ان هذا الاكتفاء سيسهم في الحد من تدفق العملة الصعبة الى خارج البلاد، ويعيد العافية لميزان المدفوعات ويسهم في معالجة العجز في الميزان التجاري، فضلا عن تشغيل الأيدي العاملة المحلية، وتحريك حلقات القطاعات الاقتصادية ذات الصلة بفعاليات انتاج السعلة. وبالتالي فان قراءة مثل هكذا خبر، يبعث التفاؤل في نفوس المحبين لهذا البلد أملا في المزيد من أجل اعادة الحياة للقطاعات الحقيقية وانتظام ايقاع العمل في القطاعات الساندة لها، بما يمنح جرعات انتعاش للمشهد الاقتصادي، تنسحب تلقائيا على محاور أخرى تتعلق بالتداولات والتعاملات الاقتصادية التي ستسهم بدورها في دعم الاستقرار النقدي، وبالتالي خلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي وتشجيع  الاستثمار المحلي المباشر في عموم القطاعات. ومن المؤكد ان تحقيق الاكتفاء الذاتي في أية حلقة من حلقات الانتاج في القطاعات الحقيقية، لا يمكن له أن يكون ما لم تتم حماية السوق المحلية من السلع المستوردة التي تتدفع من دول الجوار، والتي تشهد انخفاضات في أسعار عملاتها المحلية ازاء سعر صرف الدولار فيها، ما يجعل كلف الوحدة المنتجة في هذه الدول أقل بكثير من مثيلاتها المنتجة محليا، الأمر الذي يضر بمصالح المستوردين الذين يجنون أرباحا طائلة من عمليات الاستيراد على حساب المصلحة العامة والاقتصاد الوطني. وبالتالي تجد البعض منهم يجيش مواقع التواصل الاجتماعي كلما دعت الحاجة لمنع الاستيراد بهدف حماية المنتج المحلي، الأمر الذي يدعونا للتساؤل بشأن المعالجات القانونية التي يمكن اتخاذها بحق هؤلاء المصممين على انتهاك الأسواق المحلية والاضرار بكل المحاولات الرامية للخروج بالاقتصاد الوطني من حالة الركود الى حالة الانتعاش.
 ان الاكتفاء الذاتي في حده الأدنى، لا تقف منافعه عند تدوير عجلة الاقتصاد وتشغيل سوق العمل والحد من تدفق العملة الصعبة عبر تشغيل الطاقات المعطلة، ولا يقف في حده الأعلى عند إعداد وتأمين الظروف لتحقيق ربحية أعلى للتبادل الاقتصادي وتحقيق مستوى إشباع نوعي وكمي بما يرفع من معدلات الرفاه الاقتصادي والاجتماعي. اذ انه سياسة يتم بمقتضاها تحقيق الأمن المجتمعي، والتقليل من مستوى التبعية السياسية والاقتصادية للدول الأخرى وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية في قرارات الدولة ومواقفها. وتبدو أهمية هذه السياسة في بلد مثل بلدنا، من منطلق الواقع الذي شهدته البلاد على مدار أعوام خلت، وبناء على ما تحيط به من ظروف إقليمية استثنائية، تجعل من كل عاقل ومحب لبلاده داعما لسياسة العمل باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي على أقل تقدير.