نوارس تلتهم البياض

ثقافة 2019/08/19
...

وجدان عبدالعزيز
 
اطلعت على ديواني الشاعرة نجاة عبدالله (عيد على الزجاج)، و(منشغلة حد الامهات)، ولا اغالي حينما اقول: فإن تجربة الشاعرة عبدالله غنية، لها استحقاقات الاهتمام، كونها ترسخت وتعمقت عبر الكثير من الدواوين، التي أثرتْ الشعرية العراقية والعربية، فكان ديوانها (عيدٌ على الزجاج) الصادر حديثا، قد سجل اوجاع الحروب، وصارع فيها مكيدة الحزن المزمن، وكانت تجربة داعش الارهابية مرّة جداً، فاقت مرارتها كل المرارات، التي جابهها العراق، الوطن المبتلى بويلات الحروب، سواء في التاريخ القديم، أوالحديث المعاصر، والاسباب معروفة جغرافيا واقتصاديا، ولكن السبب المهم في التاريخ المعاصر، هو السبب السياسي وحكومات العراق المصنعة في مختبرات خارج الوطن، وتجربة الحروب واوجاعها وفقداناتها هي الاهم، لانها ذات مؤثرات في الادب ومبدعي الاداب في الشعر والسرد، وغيره من الفنون الابداعية الاخرى، من هنا رسمت الشاعرة لوحة بالكلمات، التي تقطر وجعاً خالصاً وانفعالا ورفضا، مما جعلها تُقلب صورة الاشياء الجميلة المحيطة بها الى صور الدم والحزن والفقدانات المتعددة، هذه الانفعالات جعلت الشاعرة، كأنما تكتب قصيدة داخل قصيدة، قصيدة الالم، تقابلها قصيدة الانفلات من أسر قصيدة الالم الى فضاءات الاماني والاحلام، لذا يحتاج المتلقي الى كدٍ ذهنيٍ لفك هذا الاشتباك الحاصل بين كلمات القصائد، فهي تضع معنى يستدعي معنى اخر، وهكذا تتصل المعاني بعضها بالبعض الاخر من خلال الكلمات، رغم ان الكلمة اذا جردناها وتم تفكيك الجملة، لأعطتْ تلك الكلمة معنى اخر، لكنها تبقى مأسورة في الصورة الذهنية، التي خلقتها الشاعرة، تقول:
(يا لكآبة المنظر
نوارس تلتهم البياض
وعباءات تُعرّي سوادها ولا أعلم،
كيف تعلنني في هذا الفناء،
ثم ترجمني بالقُبل،
كل خطيئتك ياألمي 
انك وطنٌ ابن وطن)
فالنوارس اصلا هي بيضاء، فلماذا تلتهم البياض؟، والعباءات لماذا تُعري سوادها؟ ويكون الرجم بالقُبل!، بينما تعتبر القبلة  التعبير الصادق عن مشاعر الحب والمودّة، وهي تعد جزءًا أساسيا في العلاقات الحميمية بين الناس، فهذه الانقلابات اللغوية لها علاقة بمنابع التأثيرات على نفسية نجاة عبدالله، كونها شاعرة تبحث عن الجمال، بل وتحاول تصنيعه في مختبراتها الشعرية، ثم تقول: (كل صباح تتعكز عليَّ ايها الصباح/ كأني ليلتك الوحيدة،/تطالبني بالنهوض مبكرا)، (وحينما نقف عند الباب/توبّخني/أني تأخرتُ كثيرا عن البوح بالحرية)، فهي رغم مرارة الوضع.. سبايكر، آمرلي وما تعنيه هذه الكلمات من وجع انساني في عهد الطائفية اللعينة الداعشية، الا ان الشاعرة بقيت في منطقة البحث عن الجمال والتنبؤ بالمستقبل، وهي تحاكي الصباح علامة انفراج عتمة الليل وظلامه، وتستمر في رسم لوحة الامل في الانعتاق من ظلام العداوة والجرم المتمثل بداعش الى نور الصباح والشوارع الملبدة بالعصافير، وحتى الرصاص مضرجٌ بالورد، لكن الصراع داخل الذات الشعرية لنجاة عبدالله،
 وهي تتقلى بأتون الوجع والفقدانات، كنتيجة من نتائج اجرام داعش الخارجة عن اطارها الانساني، جعل الآلام تتناسل بقولها: (ألمٌ ينكح ألماً)، ثم تخاطب اعداء الانسانية بقولها: (صباح الحرب عليكم ايها الاوغاد)، بمثابة صرخة كونية تعانق الضمير الانساني، وتحاول ايقاظ الروح، لذا تقول: (أمسك بقميصك../خذني لروحك/العيد فيه وقلبي أرجوحة)، وتعادل كفة رحلة الحروب وفقداناتها بكفة الامل والامنيات التي تبدو للوهلة الاولى بسيطة، غير انها كبيرة في امنيات الرخاء للوطن من خلال ديوانها (منشغلة حد الامهات)، 
المتمثل بقولها:
(كل الصباحات مطر فضاض
بلاسماءٍ تزغرد للخيبة،
خيبة البكاء خلف عباءة أمي
وفي الزاوية الدافئة من القلب
أريد قطعة خبزٍ وضحكةٍ بتول
مساءً بطعم الحبّ،
تجاهر فيه الاشجار بخريفها
الآت)
حيث تبدأ الشاعرة مشوار الحياة، (ساذهب الى المدرسة/حان وقت العناق على الورق)، وكذلك مشوار الحب، (يقودني المساء اليك/اتعكز على باقةٍ ذابلة لفرح قديم)، فجعلت الشاعرة الانسان العراقي، كما هو طائرالعنقاء، وهوطائر مخلد يستطيع العودة من الموت إلى الحياة، كما أنّه ليس معرضاً للشيخوخة والموت، بالإضافة إلى أنه يغني بصوته ويردد بعض الأغاني الجميلة، فديوان الشاعرة عبدالله (منشغلة حد الامهات) حمل نكهة الحياة والامل والتمسك بهما وبالحب والجمال، من هنا يبقى الشاعر ملتزما بقضاياه الانسانية والوطنية، فالشعر نابع من الانسان وله، فقضية الوطن والانسان تشكل رؤية الشاعرة نجاة عبدالله
 ومشروعها الجمالي... 
ديوان (عيد على الزجاج)/ دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع/الطبعة الاولى 2018 بغداد
ديوان (منشغلة حد الامهات) / دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع/ الطبعة الاولى 2018 
بغداد