هل ثمة قطيعة بين بعض المثقفين وبين الأخلاق ؟!
ربما يبدو السؤال استفزازياً.. لكن من يلمس حجم ما تشهده بعض الساحات الثقافية والإعلامية من سلوكيات تفتقر الى الحد الأدنى من الأخلاق لا يجد غضاضة في طرح السؤال ولا يرى فيه وجه استفزازٍ ابداً .. أشياء كثيرة تجدها هنالك تجعلك في دائرة الاعتقاد بأن قسماً من المثقفين ولعله قسم كبير يجترح من ثقافته قناعاً أو أقنعة ملوّنة تخفي تحتها مالا يسر بالتأكيد لكنك لن تحتاج وقتاً طويلاً لاكتشاف الوجه الحقيقي أو “الوجوه الحقيقية” للكثير من الشخصيات والمثقفين الذين يبادرون لا شعورياً الى اماطة اللثام عن حقيقة ما تنطوي عليه سرائرهم من نوازع وغرائز غير سوية لا تستطيع في البدء كشفها على ارض الواقع بيد انك وهنا المفارقة تجد نفسك في وارد القدرة على استقراء تلك “الوجوه” المضمرة واقعاً من خلال موقف معيّن يشي بالشيء الكثير عن “وجوههم الحقيقية” بعيدا عن “أقنعة الفوتوشوب الاعتباري” أو “الفوتوشوب الثقافي” في تعاطيهم اليومي المباشر!
قرأت مرة لغوليانو عبارة اعجبتني تقول “النص الادبي سلوك وما ننشره على الورقة ترجمة له ليس الاّ”! .. في هذه العبارة الجامعة تكثيف واختزال للكثير مما يجب أن يقال .. مالك ابن نبي بدوره يقول في كتابه (مشكلة الثقافة) “أن الثقافة هي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقنها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا، هي المحيط الذي يجذّر في الفرد عوامل سلوكه وشخصيته” واللافت إن ابن نبي قد شدد الوشيجة الوثيقة بين الثقافة والسلوك مؤكداً أن: “السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأشياء أعم من المعرفة وأوثق صلة بالشخصية منها بجمع المعلومات وهذه هي الثقافة “
السلوك المتزن الحصيف قيمة أخلاقية واجتماعية لا يستهان بثقلها وهي تتفاوت في مدى حضورها بين الناس ولكن هل الأخلاق في التعاطي مع الوسط الاجتماعي تكون حاضرة أكثر لدى شريحة المثقفين عن غيرهم من الأشخاص باعتبار أنهم أناس نالوا نصيباً طيباً من المعارف والأدوات المعرفية التي تمنحهم ملكة تمييز المعيب عن غير المعيب؟ ..الثقافة بما تنطوي عليه من مدلولات الا تمنح من يتعاطاها صفة الأخلاق؟ ولماذا نرى العكس من لدن قسم ليس بالقليل من المثقفين؟! .. جان جاك روسو يشدّد على “إن الثقافة لا تولّد الأخلاق، والأفراد المثقفون ليسوا بالضرورة أناساً صالحين في تعاطيهم مع المجتمع”
طيب الاّ يأتي السلوك البشري كنتيجة بديهية للفكر الناضج وللثقافة السليمة؟ وهل ثمة ثقافة سليمة تهب أصحابها أخلاقاً وثقافة غير سليمة لا تهب أصحابها اخلاقاً؟ وحتى لا يبدو مفهوم السلوك هنا هلامياً نقول.. الإشارة هي لسلوك المثقف مع الغير كما يصدر ذلك ويعكس صورة غير طيبة .. المثقف عليه أن بعي أن الثقافةسلوك قبل أن تكون نصوص واذا أردنا ذكر الكثير والمثير من (سلوكيات المثقفين) مما يتنافى مع الكثير مما يدعون لطال بنا المقام..لا اريد الدخول في الكثير من التقاطعات والتنافسات المحمومة بين أوساط القسم الكبير من المثقفين وما تجره تلك التقاطعات مما لا يحمد عقباه!
كل المجتمعات الساعية الى التحضر تعد الحصافة السلوكية في كافة مفردات حياتها اليومية جزءاً من منظومة ثقافتها المهمة، لأن التحلّي بتلك الأخلاق المنظمة لحركة التعاطي مع الآخرين وصولاً لتعايش سلس بعيداً عن العقد المكارثية، قيمة عليا في تلك المجتمعات و هي التي تعطي قيمة حقيقية للإنسان وقيمة من قيم منظومتها الحيوية التي لا يمكن التفريط بها.. فلماذا صرنا نلمس ثمة قطيعة بين قسم من المثقفين وبين الأخلاق؟