أسئلة الأطفال بين الإحراج والغرابة

اسرة ومجتمع 2019/08/20
...

بغداد/ مآب عامر
رُسِمَت الجدية على ملامحه وهو يحاول الحصول على اهتمام والدته، التي تجلس بين يدي مصففة الشعر، وهي تتطلعُ بلهفة لتسريحه. يمسكُ يدها مردداً بتساؤل “أمي، لماذا خُلقنا؟ جدي أخبرني ليلة البارحة عن الخالق ولكنه لم يجب عن سؤالي”. تبتسم الأم خجلاً في مجاملة للجالسات في الصالون، ثم تمسك صغيرها بقوة وتزجره بحدة، ليعود ويجلس إلى جوار حقيبتها من دون أنْ يُصدرَ صوتاً، وتعودُ هي لتعلق على تصرفه، قائلة: “طفل.. لا يعلم بماذا ينطق أو يتحدث، ودائماً ما تكون تساؤلاته غريبة وآنية من دون تفكير”.
 
الطفل سعد الذي لم يتخط السادسة من عمره، يتميز بتصرفاته العفوية واللامبالاة عند رغبته في معرفة شيء ما وذلك من خلال طرح الأسئلة، وكغالبية الأطفال ممن يبحثون عبر تساؤلاتهم عما قد يعجز آباؤهم عن الإجابة عليها، إذ غالباً ما تنطلقُ هذه الأسئلة من “تابو” 
المجتمع.
وترى أم سعد أنَّ كلام طفلها دائماً ما يسبب لها الحرج والارتباك. وتقول: “حقيقة، لا أعلم كيف أتصرف، وكثيراً ما أقف عاجزة أمام تساؤلاته، بل أحياناً أخترع حيلاً كي ينسى بعض الأسئلة التي أجهل الإجابة عنها”.  
 
البحث والتقصي
هذه الأم ليست الوحيدة التي تعاني من حرج أولادها، ولكنَّ هناك غيرها من تجد المتعة عند الإجابة عن هذه الأسئلة كما هي الحال مع زينة، وهي أم لفتاة في التاسعة من عمرها، تقول: إنَّ “معلوماتي بدأت بالتوسع والتشعب بسبب تساؤلات ابنتي، كل سؤال تطرحه كان يأخذني للبحث والتقصي عن طريق المواقع الإلكترونية مثل (ويكبيديا) وغيرها”.
وتسرد حادثة تراها زينة ممتعة وهي زيارتها لأحد المتخصصين ليجيبها عن تساؤل ابنتها “لماذا هناك جنسان الأول ذكر والآخر أنثى، ولماذا أخوها يختلف عنها؟”، تقول زينة إنَّ ابنتها “لم تكن تقتنع بإجاباتي إلا عندما سمعتها من شخص متخصص”.
ومن الطبيعي أنْ تختلف تربية أسرة عن أخرى، فمن هذه الأسر من تحاول توفير الحقائق لأطفالها ومنها الآخر من يحاول قمعها وإسكاتهم.
 
ممارسة العنف
رغم أنَّ تجربة نادية حمزة مع طفلها الذي لم يتجاوز الـ(١٠) أعوام لا تختلف عن تجارب غيرها من الأمهات مع أطفالهن، إلاّ أنها تقول: “عندما يطرح عليَّ طفلي بعض الأسئلة، يعمد والده إلى تعنيفه والتعامل معه بحذر”.
وتضيف: “أنا متأكدة أنَّ زوجي لا يتمتع بالمعرفة الكافية للرد على بعض الأسئلة، لهذا فهو يمارس العنف مع طفلي لكي يتخلص من حرج الإجابة”.
وتروي نادية “غالباً ما تكون الأسئلة محرجة أو تدخل من ضمن (العيب والحرام)، وحتى لا يكون هناك إحراج فالحل يكون – حسب زوجي - بالتعامل مع الطفل بعنف، لأنَّ هذا الطفل لن يسكت أو يقتنع 
بسهولة”.
وتشير إلى أنَّ لدى طفلها لباقة في التحدث واختيار الكلمات التي دائماً ما تكون موجهة منه أمام مجموعة من الناس الغرباء أو المعارف، فيبدأ هؤلاء الناس بإلقاء اللوم عليّ وعلى والده وأنَّنا لم نستطع تربيته بشكل مناسب أو أننا لا نهتم بمراقبته وتعليمه أصول الحديث وغير ذلك.
 
لماذا أكذب عليهم؟
وتستند سهاد حامد لدى طرح طفلتها عليها بعض الأسئلة المتعلقة بالدين أو الحياة الزوجية في الإجابة على معلومات بسيطة ولكنها حقيقية، تقول: “لن أكذب على أطفالي، بل أحاول إخبارهم بحقائق الأمور التي يجدونها مجهولة ولكنْ بطريقة مبسطة تسمح لهم باستيعابها”.
وتتساءل مستغربة: “لماذا أكذب عليهم أو أتعامل معهم بقسوة، وأترك للشارع والمدرسة ومختلف المستويات من المجتمع مهمة تربية أطفالي؟”، وتجيب نفسها “هذه مهمتي وعليّ إتقانها ولكنْ من دون ضجة أو تعنيف، بل هي مهمة كل أم تجاه أطفالها، حتى يعيشوا بطريقة سوية بعيدة عن الأمراض والعقد النفسيَّة”.
وتشير سهاد إلى أنها تنتبه بشكل كبير على أقران أطفالها ومن يلعبون معهم، لأنهم من يدفعون أطفالها لطرح الأسئلة.
 
لغة خاصة بهم
وترفض الخبيرة بعلم النفس الاجتماعي الدكتورة نهلة الحسني تعنيف الطفل أو صده عندما يطرح بعض الأسئلة التي يجدها الآباء محرجة أو تتعلق بـ”بالعيب والحرام”.
تقول: “الطفل لا يميز ما هو العيب أو الحرام، لأنه ببساطة لا يفهم ما يحدث أمامه، هو يطرح تساؤلاته لكي يفهم فقط”.
وترى الخبيرة في الأطفال الذين يطرحون الأسئلة الغريبة وبعفويَّة هم أذكياء يحاولون فهم العالم من حولهم ولكن بلغة خاصة بهم.
وتضيف الدكتورة “أنه ربما قد لا يكون لأسلوب العنف أو الصمت عن الإجابة أضرارٌ مباشرة على الأطفال، لكنها قد يكون لها الدور الكبير عندما يكبرون وخاصة في مرحلة المراهقة، مثل اتباع سلوكيات منحرفة وغير أخلاقيَّة بسبب معرفتهم الخاطئة وغير الصحيحة بمجريات الأحداث والأمور”.
وتشير الدكتورة التي تجد أنَّ الاناث قد يكن أكثر من الذكور بطرح الأسئلة الحرجة أو غير المتوقعة، بسبب أنَّ مساحة اختلاطهن أقل بكثير من الذكور نتيجة طبيعة المجتمع العراقي المحافظ، إنَّ على الآباء تشجيع أطفالهم على طرح الأسئلة وكذلك الحديث بحرية معهم لكل ما يشعرون به حتى وإنْ كانوا يجهلون الإجابات الكافية والمقنعة لأسئلة أطفالهم”.
وتعتقد أنَّ علينا أنْ نتعامل مع الطفل وكأنه صديق يهمنا رأيه لا أنْ نشعره بعدم أهليته أو قدرته على الفهم والاستيعاب ومن ثم المشاركة.
وتتابع أيضا “الأطفال الذين يستخدم معهم العقاب والعنف والضرب كأسلوب لمنعهم من طرح الأسئلة بحجة عدم التدخل في ما لا يعنيهم أو انها أسئلة لا تناسب أعمارهم وتفكيرهم، ستدفع بهم إلى اللجوء لغير آبائهم للحصول على معلومات وإجابات مقنعة وكافية، وهنا تكمن الخطورة، لأنها قد تكون معلومات خاطئة ومظللة”.
وترى الخبيرة أنَّ بعض الأطفال يطرحون أسئلة فلسفيَّة ووجوديَّة قد تكون الإجابة عنها صعبة، وخاصة الآباء الذين ينحدرون من بيئات بسيطة أو متشددة، وهنا يكون الحل في إيجاد إجابات بسيطة ومقنعة بذات الوقت.