ترتفع سنوياً أعداد الروايات المترجمة من اللغات العالمية الى العربية، لكن ماذا عن الروايات العربية المترجمة الى الانجليزية واللغات الأخرى؟
ربما يعلم الكثيرون أو لا يعلمون أن القارئ الغربي لا يميل كثيراً الى قراءة الأدب المترجم، ولا سيّما الرواية العربية، إذ يعتقد أن فيها عاطفة مبالغٌ بها، كما يجد فيها ضعفاً في بناء الشخصيات والحبكة الدرامية، إضافة الى عدم ميله الى القضايا المتناولة التي يجد انها لا ترتقي الى مستوى اهتمامه، ومن المؤكد أن هذا يعود الى قِصر عمر الرواية العربية الفتية مقارنة بالرواية الانجليزية مثلا، والتي سبقتها بقرون طويلة، وفي حال وجود رواية تستحق الترجمة والنشر، نجد أن الناشرين والمترجمين يميلون الى روايات أقل شأناً منها، ليس لشيء، سوى انها تتناول وتكسر تابوهات (الجنس والسياسة والدين) وتحمل للقارئ الغربي الصورة النمطية المطبوعة في ذهنه عن الشعوب العربية، فرواية (بنات الرياض) حصلت على اهتمام القارئ الغربي بشكل واسع، فالعنوان فقط شفع لكثير من أوجه النقص الأدبية التي تعجُ بها الرواية.
وعلى الرغم من ذلك، نرى أن الروايات العربية التي حصدت جوائز دولية وعالمية وتُرجمت الى لغات عدة مثل الاسبانية والفرنسية وإن كان عبر الانجليزية كالغة وسيطة، لا تخلو من دروب جديدة اقتحمها الروائيون العرب لتبرز فيها ملامح ما بعد الحداثة، وبعيداً عن ما يتوقعه القارئ الغربي من طقوس غرائبية وواقعية ومحلية مفرطة.، للأسف النظرة الاستشراقية ما زالت مؤثرة على اختيارات الترجمة من العربية الى اللغات الأخرى، وفي اعتقادي ان هذه هي العقبة الحقيقية التي يجب على الروائي العربي التفكير فيها مليّاً إن كان يرغب في ايصال نصه الى العالمية، هذا هو التحدي الحقيقي، وعليه، وبعد ما كان يعتقد مؤرخو الثقافة أن الترجمة هي المنفى والاغتراب، تغير هذا المفهوم في مرحلة ما بعد الحداثة، وهذا ما يؤكد عليه موريس بلانشو في كتابه (اسئلة الكتابة) إذ يرى أن الترجمة شكلُ الأدب مطالباً النظر اليها كعملٍ ابداعي قائمٌ بذاته. نحن لا نخالف حقيقة أن الترجمة هي تغيَر أفقي ضمن حيز أدبي، وتسلسل من الاستراتيجيات اللغوية، في حلقات متواصلة من الحلول المستمرة للنص الأصلي، لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن ننظر وعلى سبيل المثال الى ترجمة المنفلوطي لرواية ماجدولين، المترجمة عن رواية (تحت ظلال الزيزفون) للكاتب الفرنسي الفونس كار، أنها مجرد عمليات واستراتيجيات لغوية فقط، إذ خرج المنفلوطي في كثير من الأحيان عن النص الأصلي من دون تشويه القصة وخطوطها الأصلية، ولجأ الى الاستطراد والاضافة والحذف، حتى غشيَت قدرته الانشائية على النص الاصلي بالفرنسية، وهو ما يعيب على ترجمته رغم روعتها الكثيرون حتى يومنا هذا، إلا أني أرى أن الترجمة كما قلنا سابقاً عمل ابداعي قائم بحد ذاته، ذلك لو نظرنا الى أن الرواية تهدف الى المتعة والمعرفة وزيادة المخزون الانساني على الأصعدة كلها، الأفكار، والمشاعر، واللغة، والعبرة ...الخ، وليست نصاً أكاديمياً علميَاً صرفا، فالأدب نشاط أنساني في المقام الأول؛ ولأننا نعرف أن للترجمة دوراً هاماً ومؤثراً في تطوير الثقافات الوطنية، وهذا ما حدث فعلا للثقافة العربية بعد ترجمة الروايات العالمية الى العربية، إلا أنه في المقابل علينا أن نسأل وعلى كل روائي أن يسأل نفسه: ماذا يمكن أن يضيف نصه الروائي الى الثقافات
العالمية؟
ما الذي يجعل الروائي العربي مؤهلاً لكسب اهتمام ووقت القارئ الغربي؟ وهل من المفترض عليه أن ينتظر المبادرة من دور نشر عالمية لتتبنى عمله الابداعي وترجمته؟ أم عليه أن يبادر هو، ويوكِل عملية ترجمة روايته الى مؤسسة أو حتى فرد يختاره لهذه
المهمة؟
أمَا موضوع دور المؤسسات الثقافية العربية ودور النشر الكبيرة الحكومية والأهلية ودورها في عملية ايصال الروايات المستحقة الى الجانب الاخر من العالم فالأفضل عدم الخوض فيه، ولا مناقشته لأن ذلك سيكون أشبه بالنقاش البيزنطي الفارغ والذي لا يؤدي الى أي نتيجة مرتجاة.
برأيي أن ترجمة الرواية من بين كل الأنواع الأدبية الأخرى من اللغة العربية الى اللغات العالمية، وكذلك وصول الترجمات العربية للروايات العالمية الينا، هي أشبه بعملية سياحة مجانية ليس فقط من الشرق الى الغرب وبالعكس، بل سياحة الى الماضي والمستقبل. تستطيع أن تحمل رواية مترجمة متعةً ومعرفةً هائلة تفوق متعة وفائدة الرحلات السياحية التي تقدمها شركات الطيران للأفراد، بل وتعجز عنها أيضاً، هي سياحة لا تتطلب مالاً، فقط القدرة على القراءة، لا سيّما بعد تزايد الكتب الالكترونية المسموعة على قنوات
اليوتيوب.
الترجمات التي وصلتنا استمتع بها القارئ واستفاد منها، لكن الروائي العربي ما زال يدور في فلك نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف واحلام مستغانمي...الخ فإذا ما اعتبرنا أن الكاتب هو المبصر والقارئ هو الكفيف، أرى ان الترجمة سياحة المكفوفين، فأين الروائي العربي من هذا؟ ربما لو نظرنا الى تجربة أحمد السعداوي ووصوله الى هوليوود لوصلنا الى مخرجات لم تكن لتخطر على بالنا.