أعني بالتغليف، أن تحيط الشيء بغلاف، وتكتب عليه اسم الشيء ، هذه طريقة التسويق ، لأنها تخبئ ما يباع في ستار لا تشكفه الرؤية، فالمشتري لا يرى الشيء، بل يرى اسمه وصورة تعبر عنه، ستكون رؤيته موجهة لسطح الشيء، وتبقى العينان تدوران في فلك ما يؤول إليه السطح، أما في داخل الغلاف، فليس إلا الشيء وخبرتك القديمة.
التغليف في الأدب يعني شيئا اخر، لا يغلف الأدب الشيء كي يمنع الرؤية عنه، بل يكشف عن الشيء المغلف، وعندئذ تستدعي ذاكرتك الاستعمالية فتركن إليها عند اقتنائك للشيء/السلعة، عندما يصوّب الأديب رؤيته للشيء، يغلفه بالرؤية الكاشفة، فيزاح سطحه، وتتغلغل الرؤية إلى أعماقه، ، رؤية الأديب لا تكتب اسما للشيء لأنها كاشفة، الأسماء لمن يغلف، اسماؤنا كذلك، تشير إلى أجسادنا المغلفة، ونادرا ما تشير إلى أفعالنا، هناك لا اسم لنا، كل ما فينا يتكشف أمام الرؤية.
تغليف الأديب للشيء، يعني كشفه، تعريته، والاستقرار فيه، وبالتالي يصبح مالكا للشيء، لا مشتريا له.
يلجأ بعض القصاصين إلى تغليف الأشياء برؤيتهم العادية، أي يسلطون رؤيتهم على سطح الأشياء ليغلفونها، ثم يكتبون عنها ما يصفها أو يسميها، لتصبح أشياؤهم، وقد يكتشف القاص فيها ما لا يرى، ولكن عندما يتملك الشيء. ففي أي مكان، توجد الأشياء فيه تتعدد طاقتة رؤيتها، تبعا لزوايا وفضاء المكان، أنت لا ترى الكرسي نفسه من كل زاوية رؤية، فلكل زاوية لها كرسيها الخاص، الكرسي المرئي هومجموعة كراسي الرؤية. آلاف الرؤى تؤلفها الزوايا ، واستطاعت الرؤية البؤرية أن تكشف مواضع عديدة للراوي وهو يتبأر في موضع ما، نقديًا لانعرف إلا موقعين كبيرن
لتبئيرالراوي:
موضع خارجي يرصد المشهد بعين الكاميرا المتحركة، لأن العالم الخارجي مليء بالأشياء، وموضع داخلي، يرصد ويصف المشهد وأشياء المكان الداخلية، بعين كاميرا قليلة الحركة، لأن عالم الداخل باطني لا يتكشف للرؤية العادية، في حين أن الراوي الذي يتخذ من العتبة، أو النافذة، أو الممر، أو السطح البيني موضعًا لرصد المشهد، سيكشف لنا الأشياء بطريقة أخرى، غير تلك التي يرصدها الراوي الخارجي أو الراوي الداخلي.
الشعر وحده يكسر قواعد الرؤية التقليدية، لأنه لا يغلفها كالروائي بالحديث الوصفي عنها، بل يتحدث عن الأشياء لأنها أشياؤه، وليست أشياء المشهد أو الواقع.
وعندما تكون أشياء المشهد اشياء الشاعر، سيغلفها بغلاف تخترقه القراءة، لأنها أشياء لا تعرض للبيع، بل تعرض للجمالية الفنية. خذ زواية العتبة وكيف تعمل إذا ما تبأر الراوي فيها، كيف
سيرصد؟
، ستكون عين منه على خارج المشد يرصد فيها ما يعبر العتبة إلى الداخل، وعين منه الى الداخل المشهد ليرى فيها أين استقرت الأشياء الداخلة فيه، ولذلك قال باختين عن العتبة أنها لاداخل لها ولا خارج، ولعلنا نذكر السياب وهويتحدث عن مرضه، فالمرض في جسده، عتبة، الغت الخارج وقضياه والغت الداخل عدا جسده وتبعانه، وليس في العالم الخارجي او الداخلي ما يغني العتبة كلاهما يمران منها وإليها، ، ولذلك كانت قصائده عن الجسد عتبة، التي أصبحت ممرًا للأمراض وللشفاء
، فهو وحده من انشغل بالرؤية الداخلية للجسد، تلك التي لا تعنيه ما يحدث في العالم الخارجي أو في بيته وتكوينه الأسري. في قصائده قبل مرحلة المرض، كان يجوب قضايا العالم العربي، ويدخل إلى بيت اقنان الجد، وقبرالأم، وقضايا وفيقة، معلقًا عينيه في سماء انشودة غابات النخيل، وهي تستحم في غبش الرؤية الشفيفة.
ويذهب إلى المغرب العربي، وإلى نداء السلام، لأن الجسد معافى، ولكن عندما اعتل الجسد أصبح عتبة، لا داخل لها ولا خارج، هكذا كانت تجربته دواوينه
اللاحقة.
الشعروحده، وأعني الشعرية كذلك، هي من تلغي اسماء الأشياء عندما تنظر إليها، وتصطفي لها اسما هي هي من اسماء الشاعر، كل عنوان هو اسم آخر للشاعر. فالأسماء ليست إلا الأشياء وقد استحوذ الشاعرعليها، فأصبحت ملكا له حينئذ يضع اسمه الآخر عنوانا لها.