دفـتـر كـبـيـر لـلـمـشـاكـسـة

ثقافة 2019/08/21
...

سعد صاحب 
الصحفي الكبير حسن العاني الذي كان يعمل محررا ، في مجلة الف باء البغدادية ، وفي الكثير من الصحف العراقية المهمة ، في كتابه الممتع ( دفتر صغير على طاولة / وجوه وحكايات ) يقدم لنا خلاصة حياة كاملة باسلوب ساحر جذاب ، ويأخذنا في رحلة شيقة ، بين الناس والتأريخ والفنون والادب والاعلام والاذاعة والتلفزيون والصداقات النبيلة ، ويقودنا بذكاء ومهارة ، في دهاليز الخوف والقلق والموت والبطش والاعتقال ، وبطريقة لا تخلو من السخرية والمزاح . 
 
 سياحة منوعة 
من باب التواضع اطلق على العنوان الرئيس للكتاب ( دفتر صغير ) ، والحقيقة انه كبير جدا بهذه السياحة المنوعة في شتى الميادين ، ووجوده على طاولة تعني متاح لمن يريد المطالعة ، والطاولة سواء كانت من الحديد او الخشب ، فضاء مفتوح يصلح للاكل والشرب والتأمل والمواعيد والكتابة ، ومن ثم قيمة الكتاب ليست في الحجم ، وانما بالمعرفة الموجودة بين طيات الورق . اما العنوان الثانوي ( وجوه وحكايات ) فالوجوه نوعان ثابتة ومتحركة ، ربما تتبدل او ترتدي اقنعة في زمن ما ، لكنها تبقى اجمل ما صنع الله من النفائس الثمينة ، ومهما حاول الشخص اخفاء الحب والحقد والاشتياق والبغضاء والمودة ، يفتضح امره في النهاية ، لان كل شيء سيظهر على تلك المرأة الصافية . والحكايات مجموع الخبرات الانسانية المختلفة ، تلك التي تضيء لنا الدروب المظلمة ، حينما تنطفئ المصابيح او تشح المشاعل ، والعاني خبير بعلم الصحافة الواسع ، والدليل استماعه الى تجاربنا الحياتية المدهشة باصغاء تام ، واعادتها الينا على هيئة اعمدة ساحرة  . 
سياسة 
الصحافة تتيح للانسان اللقاء بالرؤساء والوزراء والمدراء ، والمسؤولين المؤثرين في الدولة ، ويتعرف الاعلامي الفطن على حياتهم الخاصة والعامة ، ويكتشف العديد من خباياهم السرية ، وهم يخافون صاحبة الجلالة لكونها تسقط العروش . في الباب الاول من الكتاب ( شخصيات سياسية ) نشاركه في سفرة طويلة من المعاناة والالم والرعب والشقاء والانتظار ، ونخرج منها بحكمة تقول : ان السياسة في كل العالم ليست فن الممكن ، بل فن الكذب والغدر والمراوغة والخداع ، لان اغلب السياسيين يفكرون بالفوز بالانتخابات ، ولا يهمهم مصير الاجيال القادمة ، والبعض القليل منهم يتمتع بالنضج السياسي المطلوب .
 
مهارة
لا تقتصر علاقات الرجل الصحفي الماهر بفئة واحدة ، بل يتمتع بصحبة واسعة مع كل الاطياف ، من اعلى هرم في الطبقات العليا ، الى اصغر فرد منسي من نماذج القاع المغلوب على امرها . وللعاني اصحاب كثيرون من الادباء والفنانيين والرسامين والكتاب ، والادب سلوك وثقافة وحضارة وابداع ، والادباء يستبقون الرؤى والاحداث والافكار ، ويمدون الجسور بينهم وبين محبي الكلمات ، ولا صديق في الوحدة مثل القصائد ، او تأمل لوحة ناطقة ، ومن يريد معرفة تطور امة  لا بد له من الاستماع الى موسيقاها ، فمن خلالها يدرك وعيها الكامن في العقول . والحياة بلا فنون خالية من الذوق والانطلاق والجمال ، ومن الاحلام والامل والعشق والمقدرة والسعادة ، ومن كل مظاهر القوة والنباهة والابتكار . 
 
صحافة
تحدث العاني عن العديد من الاسماء الصحفية اللامعة ، وما عايشه معهم من تجارب مؤلمة ومفرحة ، وما عانى من المنغصات والمواقف المحرجة والاسرار ، لكنه بحنكة فائقة اوصل لنا رسالة مفادها  : لابد من احترام الصحافة باعتبارها مدرسة يتعلم منها الجميع ، وهي الجرح المفتوح المطالب بحقوق المظلومين ، وانها اساس متين للتطور والحرية والعدالة والصدق والثبات . والصحفي بعمله اليومي المتواصل يحتاج الى الشاعر والكاتب ورئيس فريق كرة القدم وصاحب المقهى والخياط والعسكري والاستاذ والمتقاعد ، لكونهم مصدر المعلومة . والعاني من النوع الذي يعيد النظر في الامور اكثر من مرة ، ويضفي على كتابته روح الطرافة ، وعدم المغالاة في العواطف ، والنبش المستمر في بقايا ذكريات واحداث مرت منذ عقود ، لتحويلها الى مادة صحفية ناضجة ، رغم شحة الوقت الكافي للاسترسال  . والكتاب سيرة ذاتية ، مفعمة بالحب والاخلاص والولاء لمهنة المتاعب ، كتبت بطريقة القص الواضح بلغة بسيطة وسلسة ، لكنها عميقة المضمون والدلالة ، ملأى بالمرح والوخز والفكاهة والغضب والاختراق ، والمحذوف من الجمل والكلمات ، يضاهي بسحره المنشور على حبل الغسيل ، ولا ننسى ان المؤلف قاص وروائي ، وربما يكتب قصيدة نثر فنطازية تنتمي الى جيل ما بعد
 الحداثة .