بغداد/ مآب عامر
استذكر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ذكرى اغتيال كامل شياع عبر ندوة كانت بعنوان (اغتيال المثقف وسيسيولوجيا الكراهية)، شارك فيها العديد من الأدباء والمثقفين.
وتحدث نائب الأمين العام للاتحاد الناقد علي الفواز في الجلسة التي ادارها عن ذكرى استشهاد كامل شياع ورمزية المثقف وفاعليته حينما يكون حاضراً وغائباً، وان التحدث عنه بمثابة التحدث عن جميع شهداء الثقافة العراقية والنضال الاجتماعي والسياسي العراقي.
ويشير الفواز إلى رمزية كامل شياع تكمن في خصوصيات معينة وتتعلق بطبيعة التحديات التي واجهها، فضلا عن طبيعة الخطاب الثقافي والسياسي الذي حمله وطبيعة العمل المؤسسي الذي حاول تقديمه، ومن هنا تأتي الأهمية والخطورة، لأنها تتعلق بالديمقراطية، المدنية، المفاهيم الإشكالية.
ويصف الفواز بان شياع كان من المثقفين الفاعلين الذين امتلكوا القدرة على إعادة مثل هذه المفاهيم ووضعها في سياقها الاجتماعي والسياسي التاريخي، وهذا هو التأسيس الثقافي، للثقافة المطرودة والمهيمنة، والتي ارتبطت بأشكال معينة من الاستبداد والعزل، فقد حاول شياع أن يضع رؤى جديدة، وأن يقدمها من خلال منصته المؤسسية، وهنا تكمن الخطورة فهو لم يكن بطلا من مثقفي الرصيف ليكون هناك هامش من الحرية، بل هو فعل من الجزء المؤسسي، وأن الفعالية المؤسسية لها سياقات معينة محكومة بعوامل تاريخية وتنظيمية وإدارية.
وفي سياق حديثه يتساءل الفواز عن تسبب الشياع بخلخلة هذه المفاهيم أم أن قوى الظلام هي من توجست بخطورة هذا المثقف أو بخطورة مشروعه الثقافي.
ويذكر الفواز مقولة جميلة للشهيد في يوم تشييع حسين مروة “ إذا لم توحدنا ثقافة، في وجه الظلام فما الذي يوحدنا” يقول الفواز لم يكن الشياع حينها مدركاً أنه بعد فترة من الزمن سيرحل، أي أن احساسه بالمسؤولية الثقافية شديد الأهمية.
أما وزير الثقافة والبرلماني السابق مفيد الجزائري فقد تحدث عن التجمع السنوي في ذكرى شياع، بكونه لا يعود باي تكرار، فدوما ما يكون هناك أمور جديدة لم تكن مكتشفة، وتعبر عن لحظات محددة تتعلق بالشهيد من حيث “ إنجازه، دوره، ومكانته”.
ويتابع الجزائري أن كامل شياع يعد رمزاً عمليا لإعادة بناء الثقافة بعد التخريب الهائل والشامل الذي تعرضت له في النظام السابق، وكان لابد من أن تكون هذه هي الخطوة الأولى بعد سقوط النظام، وهي إعادة بناء الثقافة وتهيئة مستلزمات نهوضها من جديد، وما عمل عليه الراحل في وزارة الثقافة هو ما يُعنى بإعادة بناء الثقافة العراقية المخربة، وما سعى إليه ونحن جميعا، مكننا من لم شمل الجبهة الثقافية وجعلها ممتلئة بمبدعيها الحقيقيين.
ويعلن الجزائري عن خيبته أمام الحضور في الجلسة، وشعوره بالتقصير تجاه الراحل شياع لعدم وجود الجهد اللازم والكافي والمفروض على الجهات المسؤولة للبحث في قضية الراحل ومنها “ وزارة الداخلية، والقضاء العراقي” وإجراء التحقيقات
الكافية.
ويطالب مفيد الجزائري هذه الجهات بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة جراء جرائمهم.
ويستذكر الأديب حسين الجاف القصص والاحداث التاريخية التي وضعت الكثير من المفكرين الأحرار خلف القضبان، وفي مواجهة الموت، ويقول “هكذا يؤدون ضريبة توجههم الفكري عندما يقولون للباطل أنت باطل، فكثيرين راحت حياتهم منثورة على مذبح الفكر ومنبر التحدي نتيجة مواجهتهم جبروت المتسلطين بكلمة (لا)”.
ومن جانب الفلسفة فقد تحدث الدكتور علي المرهج عن الاغتيال بشكل عام من خلال قراءاته له محاولة في التمييز بين الاغتيال السياسي والاغتيال الثقافي، ويقول إن كل اغتيال ثقافي له بعد سياسي، وهذا مثل اغتيال شخصية مهمة للفكر، مثل شخصية الشهيد شياع في أدبه وفكره وتوجهه السياسي، إذ كانت محاولة لمنع الاعتدال في الثقافة والفكر بالتوجه العراقي الذي كانت بقاياه إلى الآن موجودة، باعتبارها حربا ضد الاعتدال، ومن جانبه شارك الدكتور خليل محمد إبراهيم وتناول البحث في مشكلة المثقف الاغتيال، إذ يجدها حقيقية، أما النقطة الأخرى التي ركز عليها هي في وجوب الاعتداد بالمثقفين والاعتزاز بهم، يقول إن “ اقل ما نستطيع، هو إيجاد المغتال، وان لم نجده فان حديثنا ليس ذا أهمية”.
وقد تحفظ رئيس الاتحاد الباحث ناجح المعموري في الجلسة لما دار من كلام عام، بوصفه مكرراً ولا يقترب من كامل شياع إلا من بعيد، وان الملاحظات التي قدمت عبر هذه الجلسة غادرت فضاء شخصيته وحياته، مبيناً إلى أننا نكرر الذاكرة غير الضرورية عن المعلومة المفهومة، وأن شياع له ارث وذاكرة حقيقية، كما وله عدد من اليوميات والسرديات بإمكان العودة اليها والكثير من المقالات.
كما ويتمنى المعموري أن يستعد الأدباء لتهيئة الاستذكارات للبحث عن شياع الحقيقي، وعن عقله وفكره وفلسفته.
ويعارض الناقد فاضل ثامر وجهة نظر المعموري بقوله “ الحديث عن كامل شياع بمثابة قراءة يقدمها الباحث أو الكاتب عن هذه القضية، لهذا من حقنا أن نتباين”.
ولا يجد ثامر مبرراً لما ذهب إليه المعموري بمحاولة لمصادرة الآراء، وأن من حق الجميع أن يكتب قصيدة أو خاطرة أو يطلق صرخة.
ويبين الناقد خلال حديثه أن اغتيال الشياع ليس اغتيالاً فردياً، بل هو محاولة لاغتيال عقل العراق التنويري والمجتمع المدني الناهض الذي يقف ضد الأصولية والعنف والفساد الذي يهيمن على العراق، وهذا رمز لمحاولة تدمير هذه البنية المتشكلة، ببنية المجتمع المدني، محاولة لترهيب المثقف ودفعه للانزواء.