تُعد العولمة ) (Globalizationمصطلحا حديثا وترجع في اصلها الاشتقاقي (Etymology) الى كلمة عالم ) (Globe وتعني تعميم الشيء ليصبح عالميا . ويغطي هذا مفهوم التطورات المذهلة التي شهدها المجتمع في مجال الاقتصاد والمال والتسويق اضافة الى مجال الاتصالات والمعلومات والانفجار المعرفي ويعبّر عن هذه التحوّلات بتعبير القرية الكونية (cosmic village ) الذي يرمز الى حالة التكامل والاندماج بين اطراف العالم اقتصادياً ومعلوماتياً وثقافيا حيث تتلاشى مكونات الحدود المادية والحواجز الكمركية والثقافية والمذهبية بين مكونات الوجود الانسانية .
والعولمة بوصفها مصطلحا ظهرت أولا في عالم الاقتصاد، تحديدا في إعلان لشركة سوني للأجهزة الإليكترونية في إحدى الجرائد الأمريكية ، ووجد الصحفيون فيها كلمة تساعدهم على اختصار كثير من المفاهيم التي يدعون إليها. ومن ثم انتشرت عن طريقهم إلى أنحاء العالم المختلفة، بحيث أصبحت كلمة "عولمة" من أكثر الكلمات انتشارا على مستوى العالم. وألفت في نطاقها عشرات الآلاف من المقالات والبحوث والكتب. استطاعت العولمة في إطار الاقتصاد أن تطور آليات وهياكل تساعد -نظريا- على دمج الاقتصاد العالمي في ظل فلسفة واحدة للتطور. آليات وهياكل مثل اتفاقية الجات والشركات متعددة الجنسيات، والمشروعات المشتركة، والتجمعات الدولية والإقليمية التي تأخذ طابعا
اقتصاديا.
اما الترجمة (Translation ( فهي نشاط بشري قائم على نقل وتفسير معنى النص المصدر الى نص آخر جديد بلغة معادلة تسمى بالنص الهدف والهدف من الترجمة هو اقامة علاقة تكافؤ النوايا بين نص اللغة المصدر والهدف أي يجب ان يوّصل كل من اللغتين نفس الرسالة مع الأخذ بنظر الاعتبار السياق وقواعد اللغة واعراف الكتابة في اللغتين والتعابير الخاصة
بهما .
وان الترجمة هي سلاح قوي جداً بين قوى العولمة وهي اداة من ادوات تمكين اللغات و بسط سيطرتها . وكان العالم الكندي مارشال ماك لوهان ( (Marshall Macklohan اول من أشار الى مصطلح العولمة في الستينيات عندما صاغ مفهوم القرية الكونية وان الدول المتقدمة تسعى لاستغلال العولمة لنشاط الترجمة حيث تركّز على خلق حالة من الاحتكار الاحادي في سوق اللغة وذلك من خلال بسط نفوذ لغة كونية واحدة وحيث تسعى قوى العولمة لاستخدام الترجمة كاداة للسيطرة على صناعة المصطلحات والمفاهيم وتصديرها للغات الاخرى مثل مصطلحات صراع الحضارات وحوار الاديان وغيرها . وهناك فائدة متبادلة بين العولمة والترجمة فأي شيء ينتج لكي ينشر في اجزاء اخرى من العالم يحقق هدفه عن طريق الترجمة . لقد عزّزت العولمة هيمنة اللغة الانكليزية في صناعة النشر وفي سياق نشر الاخبار وترجمتها حيث ان تركيز التقارير الاخبارية في ايدي عدد قليل من الوكالات العالمية مثل وكالة رويترز Reuters ووكالة الاسوشييتد برس Associated Press ووكالة فرانس برس France press . فضلا عن ذلك جلبت العولمة معها ثورة تقنية كبيرة مكونة من ظهور ثقافة تشاركية غير هرمية يتعاون فيها المترجمين في انتاج ترجمات مجانية للاستهلاك العام وكذلك فان العولمة اثرّت على الترجمة من خلال الزمالات والبعثات ونشر الكتب وان زيادة مشاركة المترجمين في حالات النزاع جعلت الترجمة سلاح قوي في يد قوى العولمة .
من اللافت للنظر أن حركة الترجمة تزداد عاماً بعد عام، وأن هناك مؤسسات ثقافية كثيرة في العالم العربي تعنى بالترجمة، وتحظى اللغتين الإنكليزية والفرنسية بالنصيب الأوفى. وكذلك فإن ما يترجم عن اللغات الأوربية لا ينحصر فقط في دائرة الأدب، بل يتعداه إلى ما يكتب في السياسة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس والفلسفة.
و من الواضح أن هناك انحساراً واضحاً في الترجمات العلمية عن اللغات الأوربية. فلا تكاد تترجم كتب الطب ولا الفيزياء ولا الرياضيات ولا سائر العلوم البحتة، وأن ما يترجم عنها يدخل في باب "تبسيط
العلوم".
وحسب دراسة قامت بها اليونيسكو حول انتشار اللغات داخل مواقع شبكة الانترنيت، باعتبارها أهم الوسائل المعتمدة في عصر العولمة، فإن اللغة الإنكليزية أخذت حصة الأسد بنسبة 72 %، تليها اللغة الألمانية ب7 %، والفرنسية والأسبانية 3 %. وأن 20 %من اللغات العالمية غير ممثلة على شبكة الانترنيت. وهذا اللاتكافؤ بين اللغات يعكس اللاتوازن الذي ترسخه
العولمة
فأذن العولمة Globalisation باعتبارها حصيلة المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد، تسعى إلى محاولة إلغاء خصوصيات الثقافات، أي باختصار إلغاء للهوية التي تميز شعبا عن شعب آخر، إلغاء للحضارة والفكر واللغة لصالح اللغة والثقافية الإنكليزية، أي لغة وثقافة القطب الواحد الممثل في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما حدا بالبعض إلى اعتبار العولمة مرادفا للأمركة (في إشارة إلى الولايات المتحدة
الأميركية).
ا.م .د. /جامعة بغداد /كلية اللغات / قسم اللغة الانكليزية.