سلمان الشهد: الغور في عمق الذات قبل تنفيذ أي عمل

ثقافة 2019/08/26
...

البصرة/ صفاء ذياب
 
بعد انقطاع لسنوات طويلة، يعود الفنان سلمان الشهد لإقامة معرض شخصي على قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في البصرة عرض فيه أكثر من 50 عملاً تخطيطياً، اقترب فيها من السريالية، والمزج بين الواقعية والغرائبية. الشهد الذي عُرف كفنان ضمن الثلاثي الأشهر في الستينيات والسبعينيات، وهم: فيصل لعيبي، صلاح جياد، وسلمان الشهد، قدّم أعمالاً لا تحصى في الصحف المصرية والعربية، كمخطّط للأعمال الفنية، ورسام غلاف في هذه الصحف والمجلاّت.
ومن هنا، جاءت أعمال معرضه هذا لتقترب من هذا التاريخ، مع التجديد فيما يلائم التطوّر الفني الذي مرَّ به. فالشهد الذي كان مقيماً في أميركا أقام عدّة معارض هناك، فضلاً عن أعماله التي قدّمها في براغ، حين كان مقرّباً من الشاعر محمد مهدي الجواهري، فأعاد إنتاج قصائده في أكثر من عمل، منها ما قدّمه في معرضه هذا. وفي حديث خاص للصباح الثقافي ، يشير الشهد إلى أن هذا المعرض جاء امتداداً لتجارب منذ منتصف الثمانينيات وحتى الآن، بدأ بالجريب، واستخدم أساليب مختلفة، لكنه كان مع هذا التجريب مغرماً بالواقعية السريالية التي تعتمد الحلم والفكرة النابعة من داخل الذات. "نضجت هذه الأفكار في مطلع التسعينيات، وأقمت معرضاً وبعد ذلك انكفأت زمناً طويلاً من دون أن أعرض أي عمل، لكني كنت أواصل التخطيط والتمرين. لهذا الانكفاء كانت أسباب عدة، منها أنك غير قادر على البوح في زمن التسلّط، ثانياً كنت تعتقد أنه لا وجود لمتلقٍ سواك، لهذا كنت أجرب مع نفسي".
ويضيف الشهد، أن كل شيء بعد تغيير النظام السابق قد تغيّر، فأصبح هناك متسع من الحرية والتأمل، فعاد للعمل من جديد، لكن بصمت، ليتوصّل إلى هذا الشكل. أما المضامين فتبقى خاصة لدى الفنان، وما يؤوله المتلقي فهو صحيح أيضاً.
ويبيّن الشهد أنه بعد التغيير بدأ يشتغل بشكل مغاير، فـ"حررت النص والشكل معاً، البعض من المقربين كان يرى أن هذه الأعمال ليست سهلة على المتلقي، وكأنني أصدر ترجمة لكتاب من دون حواشٍ أو تفسيرات، وبما أنني كنت أمتلك قدرة تشخيصية وبوصف الواقع، ولدي معرفة كاملة بالتعبيرية والسريالية، بدأت أعمل على هذه الأعمال، فأقمت معرضاً في العام 2005 في اتحاد أدباء البصرة، وقد اخترت هذا المكان لوجود متلقٍ نوعي، قدّمت فيها نصوص أبي القاسم الشابي، وخصوصاً قصيدته أنشودة الحياة، ومن ثمّ أعدت إنتاج قصائد الجواهري بأعمال كثيرة جداً".
هذه الأعمال جعلت الشهد يرى في نفسه يقترب من السطحية أكثر من الغور عميقاً في الأعمال الأدبية، لأنه- حسب ما يقول- حاولملامسة السطح الأدبي فحسب من دون الغور في داخله، وربما جاء هذا من عمله الطويل في الصحافة ورسم النصوص الأدبية في الصحف المصرية بالدرجة الأولى.
وبجوله في معرض الشهد هذا، سيلاحظ أمراً مختلفاً في تخطيطاته، فالخطوط الحادّة، والتجسيم الواضح لفيكرات الأعمال، تحيل بشكل أو بآخر على النحت، وكأن هذا الفنان حاول تقديم مصغّرات لأعمال نحتية لكن على الفحم، وبعض الأعمال قام بتلوينها بشكل لا يختلف عن الفحم كثيراً. وفي سؤالنا عمّا إذا كان قد رسم هذه الأعمال لتنفيذها كمنحوتات، أشار الشهد إلى أنه مغرم برسم الكتل المتناثرة ومن ثم يقوم بمزجها وتآلفها، وفي الوقت نفسه هناك فنانون لديهم الفكرة أقوى من التنفيذ والسطح الفني، لهذا "حاولت أن أبتعد قليلاً عن هذا، وأنفّذ السطح والفكرة معاً". كاشفاً أنه خلال إقامته في أميركا، أقام ثلاثة معارض أحدها داخل الكونغرس الأميركي، بالأفكار هذه، كانت في أغلبها هجوم مباشر على الديكتاتورية الأميركية. ومن جهة أخرى، خلال إقامته في براغ بالقرب من الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، "رسمت أكثر من 60 عملاً له بين قصائده وبورترهاته، فأخذ الجواهري منها أكثر من 30 عملاً، أغلبها تنفيذ لقصائده".
وما يأسف عليه الشهد بعد هذه الرحلة الطويلة من الفن والرسم والتخطيطات التي نفّذ بعضها قبل أكثر من خمسين عاماً، أنه أضاع في سفراته عدداً كبيراً من الأعمال، فقد "أضعت في إحدى سفراتي أعمالاً كثيرة، منها أكثر من 50 عملاً زيتياً متفاوت الأحجام، وتخطيطيات بالفحم ولوحات بالألوان المائية، بعد أن فقدت حقيبتي ومعها كل هذه الأعمال".
لكن هذا الفقدان جعل الشهد يصرّ أكثر على إنتاج أعمال أخرى، حتى إصابته بالجلطة التي جعلت من يديه غير قادرتين على مسك القلم أو الفرشاة، ومن وجهة نظره، فإنه ينبغي على الفنان أن يبحث في داخل النص وليس في سطحه، هذا البحث الذي هو أقرب إلى المخيلة يمنحك نوعاً من الراحة والإحساس بالحياة في عمق الفن.