روح الطائر

ثقافة 2019/08/26
...

 غسان حسن محمد
 
في احد الصباحات توجه النحات الى مطعم للأكلات السريعة وسط المدينة..جلس منتظرا وجبة افطاره وبينما هو ينتظر  دقت اجراس الساعة المعلقة على جدار المطعم معلنة السابعة صباحاً..بدأ كرسي يقبع في زاوية المطعم، مصنوع من خشب الزان عليه رسم أشجار ونباتات غابة وعصفور دوري بالاهتزاز..  استمر الاهتزاز نحو دقيقة..بعدها همدت حركة الكرسي..علت الدهشة محيا النحات الذي لاحظ ان العاملين في المطعم والزبائن لم يعيروا الامر ادنى اهتمام..مما ضاعف مديات الحيرة لديه..اقترب منه النادل حاملاً وجبة طعام الافطارسأله النحات:
- ماحكاية هذا الكرسي؟
النادل: استاذ لقد اعتدنا هذا الامر؟
النحات: كيف..اخبرني ماالحكاية؟
النادل: لقد جلب صاحب المطعم هذا الكرسي من سوق الخردة..وعندما حدث الاهتزاز اول مرة..ظهر الرعب على الزبائن الى ان كف الكرسي عن الاهتزاز..فعاد كل شيء الى مكانه..حمل صاحب المطعم الكرسي وألقاه في مخزن المطعم ولاسبوع كامل لم تطأ المطعم قدما..اقترحت عليه ان يرجع الكرسي الى مكانه..وما ان عاد الكرسي حتى توافد الزبائن على مطعمنا وقد اعتادوا على رقصة السابعة من قبل كرسي الحظ كما اسماه الزبائن.
ما ان انهى النحات وجبة افطاره حتى اتجه الى صاحب المطعم.
النحات: هل بأمكاني ان أضيّف هذا الكرسي في بيتي هذه الليلة وسأعيده اليك صباح الغد.
صاحب المطعم: لماذا؟
النحات: سيدي اريد ان اتحدث معه.
صاحب المطعم: مع الكرسي تتحدث..الفنانون معروفون بـــ...، لا بأس لك هذا.
النحات: شكراً جزيلا.
حمل النحات كرسي السابعة الى بيته..وضعه في مشغله..صار ينظر الى الكائنات التي نحتت على خشبه..امعن بصورة العصفور الدوري..اهتز الكرسي ..حرك العصفور جناحيه..طار في الغرفة.. استقر على تمثال للفيلسوف (سقراط) يدني كأس الُسمِّ الى فمه..بدأ العصفور الدوري بالحديث:
سيدي النحات انك تبحث عما وراء رقصة الكرسي..هاانذا والفيلسوف سقراط قد سقينا كأس الفناء من قبل (يد الجهل)..قبل نحو عقدٍ من الزمان كنت اطير بطمأنينة مع عائلتي في السماء الواسعة ..فوق غابة الاشجار..حتى قدم في ساعة نحسٍ صيادٌ يلهو ويُسعد بأنهاء حياة الطيور! في تمام السابعة صباحا اطلق عليَّ النار..سقطت ميتاً تحت جذع شجرة زان..مرت السنوات وصرت تراباً انسربت روحي الى جذع الشجرة فسكنتها..
بعد اعوام قُطعت هذه الشجرة..وحولت الى اثاثٍ ترتاح عليه اجسادكم..الحت روحي على صانع الاثاث ان يضعني في مكانٍ مناسب.. فقام وزخرف الكرسي بصورتي وشي من اشجار الغابة، وكلما حانت السابعة صباحاً اشتقت الطيران مع عائلتي فترى ذلك الاهتزاز.
عندها سقطت دمعة من عين النحات..في صباح اليوم التالي حمل النحات الكرسي الى المطعم..واتفق مع صاحبه ان يمنحه هدية..على الجدار المقابل لكرسي السابعة..
قام النحات بعمل جدارية تضم اشجار الغابة ونباتاتها ومجموعة من عصافير الدوري تحلق في سماء الغابة..ما ان انهى النحات عمل الجدارية ، ودقت الساعة معلنة السابعة صباحاً، بقي الكرسي ساكناً في مكانه.، ودبت الحيوية في الجدارية حيث خفقت اجنحة العصافير وتصاعد حفيف اشجار الغابة..لدقيقة من الزمن....ابتسم النحات ابتسامة الرضا وسُعد العاملون في المطعم والزبائن باللوحة الالكترونية
 كما اعتقدوا.