لم تكن جدتي او (حبوبتي) كما كنا نحب ان نطلق عليها متعلمة بالمعنى الأكاديمي، ولكنها كانت رغم ذلك تنضح حكمة وحلماً، حتى ان الكثير من رجالات العشيرة يتنورون بمشورتها وآرائها.
من الحكم او الامثال المحببة الى قلبي والتي كانت دائماً ما ترددها حين نخبرها بقرب حصول امر ما، أو وعد قطعه لنا شخص معين، هو (حبوبة لا تكول سمسم لما تلهمه)، اي انك لا ينبغي لك تصديق ان ما بين يديك سمسماً حتى تمضغه باسنانك وتتعرف على طعمه، وهو كناية عن تحول الوعد الى حقيقة ملموسة.
وعند تأملي في الاسباب التي دعتها لمنحنا هذه النصيحة المجانية، توصلت الى انها كانت تخشى علينا من خيبة الأمل، خاصة بعد ان كانت ترانا مسرورين ومتحمسين لتحقق أمر ننتظره بفارغ الصبر، وهكذا مرت الأيام ورحلت هذه الحكيمة عن دنيانا ووجدت ان نصيحتها يجب ان تكتب بماء الذهب، لأنها كثيراً ما حافظت على اعصابي ومنعتني من الانجرار وراء عاطفتي وبالتالي الوقوع فيما لا يحمد عقباه.
الان وكلما استمع الى وعد تطلقه الحكومة الموقرة كما كانت تفعل سابقاتها، اتذكر (حبوبتي) واقول في سري لن اصدق الى ان التهم (السمسم).
سررنا كثيراً بتطبيق قرار (12) الخاص بتكييف اوضاع المتعاقدين مع دوائر الدولة واصحاب الاجور اليومية فيها، ومنحهم حقوقاً توازي ما يتمتع به اقرانهم من موظفي الملاك الدائم، ولكن فوجئنا وبعد ترقب ومخاض طويل، بأن القرار عبارة عن سواد على بياض فقط ، مفتقراً في الوقت نفسه الى أي قابلية على التطبيق، فضلاً عن انه بحاجة كما تدعي مكاتب الادارة في مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة، الى الكثير من التفسيرات القانونية، اضافة الى توفير السيولة المالية المتوقف منحها للمستفيدين منه حال تطبيقه فعلياً.
في اثناء انتظار صدور هذا القرار، كنت دائماً ما اردد أمام زملائي مثل (حبوبتي) الأثير (لا تكول سمسم لما تلهمه)، محاولاً امتصاص ولو القليل من حماسهم، وتهيئتهم الى تلقي خيبة الامل احتساباً، لأني لاحظت ان الكثير منهم كان متلهفاً لتعديل راتبه القليل، او التخلص من هاجس الخوف من امكانية انهاء عقده من قبل دائرته في أي وقت تشاء، وبالتالي تجريده من مصدره المالي الوحيد في هذا
العالم.
والان يتحتم علينا ان نتوجه الى حكومتنا الموقرة ورئيسها السيد عادل عبد المهدي بالقول، كنت جريئاً بالمضي قدما باصدار هذا القرار، وحركت ما كان ساكناً ويهم شريحة كبيرة من ابناء الشعب، وهم آلاف من المتعاقدين واصحاب الاجور اليومية الذين يتطلعون بشغف الى تطبيق هذا القرار وفق الصيغة التي اعلنت انت عنها في مؤتمراتك
الصحفية.
أمض قدماً يا رئيس مجلس الوزراء، وضع النقاط على الحروف واؤمر بحل جميع المشاكل المحيطة بقرار (12)، وادخل السرور الى قلوب آلاف العوائل المتلهفة الى فرحة حقيقية في سنواتنا العجاف هذه، ودعها تلتهم السمسم هنيئاً مريئاً.