الجبن الثقافي !

ثقافة 2019/08/27
...

عالية طالب
 
“المثقف من حمل الحقيقة في وجه القوة” هذه العبارة يستخدمها اغلبنا “اعلانيا” فقط  وبمنهج لا يقترب من قصد “ نعوم تشومسكي” الذي اطلقها بل بطريقة التصدير الاعلامي فقط وحين يدخل المثقف في الموقف المواجه للقوة المنحرفة عن الحقيقية نجده مثقفا انتهازيا يلتزم صمته بانتظار انجلاء المواقف ليذهب طوعا مع رأي الاغلبية حتى وان كان هذا الرأي فاسدا 
ومفسدا.
المثقف هو قائد مجتمع ، وغالبا ما يسأل المواطن عند كل ظاهرة سلبية أو ازمة مجتمعية : اين دور المثقف اذن ؟ فأن كان هذا الدور متواريا وراء صمت الخشية من الاخر وانتظار ما تلوح به الاحداث حتى يتمكن من ارضاء الجميع بحمل العصا من الوسط فأن المؤكد انه مثقف مزيف لا يستحق ان يرسل خطابا تنويريا ولا يعول عليه في احداث التغيير الذي طال انتظار وصوله. عديد مواقف كنا بحاجة فيها الى ان نلمس واقعا صوت المثقف الهادر وهو يعطي رأيه بوضوح حين يرى ضبابا يحتاج الى الانقشاع، وحين يجد نفسه محاطا باكاذيب كثيرة ترتدي زيا عاريا فيهتف لجمال الوان غير موجودة ويشرح مثالب الاخر على انها انطباقا لمقولة “ أحمل اخاك على غير محمل ما تراه” فكيف نتوقع اذن الوصول الى مرافئ آمنة في ظل مراكب بلا اشرعة وبلا بوصلة.
هل العلة هي في تواجد انصاف المواهب الذين اشار اليهم الاديب المصري “ يوسف ادريس” حين قال: (المثقف الصغير أبشع من البرجوازي الصغير في فهمه الضيق للحياة وللأحياء) أم في اختلاف المقياس الصحيح للتعامل مع الحيوات ومتغيراتها حتى بات الخطأ حالة صحيحة لانه مشتق من الخطيئة والغلط النابع من الاغلاط لا يجد من يوقف استخدامه فاستشرى بارتياح وصل الى قمة لم يكن يتوقع وصولها يوما.. وهو ما اشار اليه “ أوسكار وايلد” :لقد أصبح المقياس الحديث في الأخلاق , قبول مقاييس العصر الذي نعيش فيه , أما أنا فأقول إن قبول مقاييس العصر الذي نعيش فيه عمل مناف للأخلاق , وخطأ لا يغتفر لأي رجل مثقف. 
كم من الاخطاء اغتفرت حتى شعرت بأنها لم تكن خطيئة بل كانت صوابا وهي لا تدري حتى نبهها اليها الضعفاء بضعفهم والجبناء بجبنهم واذا ما انبرى احد للتصدي فستطلق عليه مختلف الاشاعات واقذع الصفات واحدث الاتهامات ، لتجعله يتوقف ويسأل نفسه : هل الضريبة السلبية التي استلمها استحقها فعلا أم ان علي التراجع والاصطفاف مع الصامتين بانتظار تغيير موقف الاغلبية أو على الاقل وصولهم الى قناعة تؤشر خراب ما يفعلون.
اعلانات وادعاءات “ ثقافية” عن انشطة وجلسات وقراءات شعرية واستضافات لشخصيات واسماء وبحوث واوراق عمل وورش ومنظمات واتحادات ونقابات.. والوضع البائس يراوح في مكانه لأنها كلها بلا استثناء لم تصل الى اطار صورة ما يعيشه المجتمع ولم تدخل في ذيل تفاصيل ازمته فكيف ستحدث التغيير؟ وندوات ومؤتمرات وصخب ولقاءات وتشنجات واوامر ومؤامرات وانتخابات واتفاقات مسبقة تشبه رائحة الصفقات  والكل في مرح لوثة الانتصار على الاخر وكأننا في لعبة الابادة وليس في توافق الارادة للوصول لخط الشروع الحقيقي الذي ينتظره مجتمع بات ينام نهاره ليصحو ليله دون ان يعلم اي النجوم سترشده لمسار صحيح وسط صحراء الاماني
المؤجلة...