الموعدُ في البصرة

آراء 2019/08/31
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
لا أفهم  كثيرا في لعبة كرة القدم، على الرغم من أني مارست هذه اللعبة الشعبية الأكثر انتشارا في طفولتي، عندما كنا نأتي بخرقة قماش بالية،  او كيس (علاگة نايلون) مهترئة،  فنحشوها أكياسا وخرقا،  فنتخيلها (طوبة گريكر)،  على الرغم من ان شكلها الخارجي يبدو مربعا او مثلثا في بعض الأحيان ! ولكن شكلها لا يهمنا،  فقد كنا نشعر بمتعة كبيرة ونحن نجري خلفها،  ولا يعترينا الحزن، عندما تنبقر بطنها وتتطاير اشلاؤها يمينا
 ويسارا !...
 لذلك كانت ثقافتي في مجال كرة القدم بمستوى تلك الكرة التي مازال شكلها الهلامي ولونها الترابي، مطبوعا في ذاكرتي،  فانا لا اكاد أميز بين ضربة المرمى وضربة الجزاء مثلا،  او  بين ضربة الزاوية وضربة التماس !!،  ولكن تجدني متعصبا لحد الهستيريا،  إذا كانت هناك مباراة تجمع منتخبنا الوطني ومنتخب آخر،  ولطالما أوصلتني هذه الهستيريا الى درجة تحطيم الأطباق، عندما يتأخر المنتخب،  بهدف او يخسر احدى مبارياته،  لاسيما في بطولات الخليج، التي كان فيها المنتخب العراقي  يتسيّد الساحة،  وكان لا يرضى،  وهو يواجه فرق مثل عمان والبحرين والإمارات،  بِغلّةٍ لاتقل عن نصف دزينة من
 الأهداف ، وربما كان المنتخبان الكويتي والسعودي، هما الأكثر ندية، ومع ذلك كانت كفة اللقاءات تميل لصالح العراق، والحال لايختلف كثيرا عن وضع المنتخب العراقي ضمن القارة الصفراء، فان اغلب فرق قارة اسيا كانت تتهيب مواجهة منتخبنا الوطني لانها تأتي وهي متيقنة من الهزيمة على أيدي اسود الرافدين ..  
وعلى مدى عقود من الزمن اكتنزت  ذاكرة الأجيال،  باسماء لمعت كالنجوم في سماء كرة القدم،  وبنتائج سيبقى التاريخ يسجلها بفخر للكرة العراقية.
ولكن ... مرت الايام ودارت السنين،  لنجد الكرة العراقية،  وقد أفل نجمها،  وخبا بريقها،  فباستثناء ماتحقق في بطولة اسيا،  عام ٢٠٠٧،  بقي العراق بعيدا عن نيل الألقاب القارية و الإقليمية،  فضلا عن غيابه الكامل عن المونديال العالمي منذ عام ١٩٨٦،  وقطعا ان هذا الغياب والتراجع للكرة العراقية كان نتاج ظروف قاهرة، منها حرمان منتخباتنا من اللعب في ارضها وبين جمهورها بسبب الحظر الدولي المفروض على العراق منذ تسعينيات القرن الماضي،  وقد شهدت السنوات الماضية،  بعد عام ٢٠٠٣ الكثير من المحاولات لرفع الحظر،  وعلى الرغم من ان تلك المحاولات لم تفلح في تحطيم القيود،  ولكنها أسهمت في ترخية الحبال وترطيب الأجواء،  حتى جاءت بطولة غرب القارة الاسيوية التي أقيمت في ملاعب كربلاء واربيل خلال شهري تموز وآب،  ليثبت العراق خلالها، انه يمتلك القدرة على التنظيم، وان الوضع العام في البلد اضحى مستقرا، وليس ثمة مايثير مخاوف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي وجد في تنظيم بطولة غرب اسيا، فرصة مناسبة، بعد ان لم يجد أي تبرير لاستمرار حرمان الكرة العراقية من الدوران فوق أديم ارضها، ليعلن عن سماحه، ولأول مرة،  بخوض منتخبنا الوطني لكرة القدم مباريات تصفيات اسيا التي ستقام في الصين عام ٢٠٢٣،  وتصفيات
 المونديال العالمي التي ستنظمها الدوحة عام ٢٠٢٤،  في ارضه، وتحديدا في المدينة الرياضية بالبصرة، وهو قرار ما كان له ان يصدر، لولا القتال والجهود الكبيرة المبذولة من قبل الجميع،  ولا شك  ان قرار الفيفا،  هذا يمثل اشراقة حقيقية،  وانتقالة مهمة في واقع كرة القدم
 العراقية .. 
صحيح ان الحدث،  مر مرورا عابرا،  ولم يحظ بذلك الاهتمام الذي ينبغي، ولو كان حدثا سلبيا، لعزف عليه الكثيرون !!،  الا ان المهم في هذا،  هو،  هل اننا سنكون بمستوى الحدث ؟،  لان نجاحنا في هذا الاختبار،  هو المفتاح نحو عودة الكرة العراقية بكامل بهائها، الى ارضها بعد فراق طويل،  والنجاح هنا ينبغي ان يكون في جميع الأصعدة، اداريا،  وتنظيميا واعلاميا وجماهيريا،  ولعبا ونتيجة،  لذلك نقول، ان البصرة موعدنا،  لنثبت للعالم اننا قادرون، وان هذا العالم ظلمنا كثيرا ..أليس كذلك ؟