الإعلام أول من يُعمق الصراعات ويُشعل الحروب
ريبورتاج
2018/11/10
+A
-A
عدنان أبوزيد
الحرب تبدأ بكلمة..
والكلام في هذا العصر للإعلام الذي أصبح بفضل التكنولوجيا، صاحب القول الفصْل في مجريات الاحداث، وقرارات السلام والحرب. وإذا كانت السلطات التشريعية، والتنفيذية هي صاحبة الحسْم في القوانين، الا انها لا تمتلك قوة الاعلام في توجيه الرأي العام وصناعة قوة التأثير الذي يفرض نفسه على القوى المسيطرة في صياغة قراراتها.والمثال الذي يُضرب، ينبثق من صلب الاحداث التي مر بها العراق، انها حرب 2003، ذلك ان الصحافيين الأميركيين الذين أداروا الماكنة الإعلامية لغزو العراق، هم الذين صنعوا الحرب، وهم اليوم يقودون اتجاهات الأحداث، من جديد، اذ لا يزالون يعملون ويسيطرون على الرأي العام، ويستهدفون الآن دولا يعدونها غير متوافقة مع السياسة الاميركية مثل ايران وسوريا، على سبيل المثال لا الحصر، مثلما يشعلون فتيل الحرب الاقتصادية مع الصين، وروسيا.
وهؤلاء الصحافيون «الصقور» الذي أيدوا حرب العراق وأججوا الحملة لغزوه، هم الذين يقودون في الوقت الحاضر، الاعلام السائد في الولايات المتحدة ويطالبون بالحرب من جديد في الشرق الأوسط، أو في أماكن أخرى في العالم، بحسب الارادات السياسية الممولة للإعلام، وفق فوكس نيوز.
أصوات ما زالت تصرخ
في العام 2003، كتبت الصحافية في صحيفة نيويورك تايمز، جوديث ميلر، سلسلة من المقالات تدعم مزاعم البنتاغون بأن هناك أسلحة دمار شامل في
العراق.
وعلى الرغم مما اتضّح لاحقا، في ان هذه الادعاءات كانت عملية تلفيق كبيرة، إلا أن ميلر لم تعتذر، وهي اليوم تستمر في الترويج لرؤيتها المتشددة كمساهم في شركة Fox، بل أصبحت عضواً في مجلس العلاقات الخارجية في العام 2016.
كما نجا الكاتب في شركة فوكس، شون هانيتي، من توبيخ بسبب تقريره غير الدقيق الذي دعا إلى غزو العراق العام 2003، ولم يكف عن ذلك، وها هو اليوم يدعم الآن تغيير النظام في إيران.
وفي العام 2002، دعم محرر بيل ستاندال الأسبوعي، المزاعم حول الأسلحة العراقية المحظورة، وأصر على وجودها، وبرغم سوء التقدير المتعمد والمخطط له بحسب بعض التقديرات، لكنه استمر في إدارة الصحيفة، ولم يحاسبه أحد، وها هو يجدد دعواته اليوم الى غزو البلدان التي تشكل خطرا على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على قنوات MSM مثل Fox و NBC.
ومقابل هذا التحشيد، تقمع الأصوات المعارضة لحروب الولايات المتحدة من قبل الشبكات الإعلامية النافذة.
الصحفي المخضرم فيل دوناهو، خسر برنامج « إن بي سي» نظراً لميله إلى الاتصال بأشخاص لهم آراء معادية
للحرب..
إن المستويات الكبيرة التي وصلت اليها سيطرة الأصوات المؤيدة لحروب الولايات المتحدة، دفعت الصحفي الاستقصائي ماكس بلومنتال إلى تسمية وسائل الاعلام هذه،
بـ «تلفزيون الدولة للأمن القومي».
يقول بلومنتال: «لا يسمح بصوت معارض عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة»، وهو أمر «غريب» في دولة تعتبر نفسها المعقل الأول لحماية الديمقراطية في العالم.
توظيف الاختلاف
هذا الدور المنافق للإعلام يراه الكاتب والاكاديمي محمد زكي إبراهيم في حديثه لـ»الصباح»، قد قاد الى تداعيات سلبية في العراق، مبرزة الفروقات الطائفية والمتمايزات المذهبية والاختلافات القومية، فيما كانت مثل هذه التباينات، محصورة في المحافل الروحية الخاصة بكل فئة، أو في المكتبات، أو أدبيات الأحزاب القومية، لكن وسائل الإعلام عملت من خلال أشخاص غير مؤهلين مهنياً لتوظيف هذه الاختلافات المذهبية والفئوية. وقد أعان على ذلك أن البلاد العربية قاطبة لم تكن ميالة إلى النظام الذي جاء في
العام 2003.
يستطرد إبراهيم: بل إن دور وسائل الاتصال الاجتماعي، وهي منابر إعلامية بالدرجة الأولى، كان أعظم تأثيراً في إذكاء حدة الخلافات بين الطوائف العراقية من أي وسيلة أخرى. مع أنها تأسست في الأصل لتعميق أواصر القربى بين شعوب العالم، وإتاحة الفرصة لاكتشاف النقاط المشتركة فيها، فهي جزء من التدفقات الإعلامية الخاصة بالعولمة.
يرى ابراهيم انه في الوقت الذي كانت فيه السينما العالمية تروج لثقافة العنف والحرب والجريمة، فإن وسائل الاتصال الاجتماعي قامت بدورها في تهيئة الظروف المناسبة لمثل هذه القيم، عبر إذكاء حدة الخلافات الفئوية بين الشعوب، وأعان على ذلك شيوع مفاهيم النسبية الثقافية بعد حروب البلقان الطاحنة، وفي تصاعد الشعور بالغبن لدى الأقليات.
يعتقد إبراهيم أيضا انه كان من سوء حظ العراق أنه حاول أن ينهض في ذروة تصاعد هذه المتغيرات، فكان أنْ دفع الثمن غالياً.
ماكينة الحرب النفسية
لا تدهش الكاتبة سلامة الصالحي من معادلة الكلمة والحرب فتقول لـ»الصباح» ان هناك ماكنة اعلامية هائلة تقودها مؤسسات متمرسة بالحرب النفسية ولها القدرة العظيمة على اقناع واستمالة الرأي العام العالمي.
ترى الصالحي ان تأثير الاعلام ظهر أكثر بعد خضوع العالم الى سيطرة القطب الواحد وهيمنة اميركا وثقافتها على مناطق كثيرة في العالم للاستئثار بالثروات واخضاع الشعوب لإرادتها وهيمنتها، مشيرة الى الانظمة المستبدة التي جاءت بها ايضا اميركا ودعمتها وابقتها للفترة التي تريدها لتحقيق أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية.
ويتحدث الكاتب والإعلامي اياد الامارة، لـ»الصباح» عن الإعلام الذي ينساق خلف رغبات صناع الحروب ونواياهم غير المنصفة ولم يلتزم بأهداف وغايات الإعلام النبيلة فيما كان المنتظر منه أن يكون رسالة
سلام.
يُسقط الإمارة هذا الرأي على الحالة العراقية، فيقول ان الإعلام اسهم مساهمة سلبية كبيرة في تأجيج الرأي العالمي ضد العراق لأكثر من مرة بطريقة غير موضوعية وغير
مهنية.
الممّول صاحب قرار الحسم
على منوال الامارة، يشير الإعلامي في تلفزيون صلاح الدين، علي البيدر، في حديثه لـ»الصباح» الى ان اغلب المؤسسات الإعلامية وعلى اختلاف توجهاتها، مؤدلجة ما يفقدها مصداقيتها ويجعلها غير موضوعية تعمل على تضليل الرأي العام ورسم الصورة التي يريدها «الممول» كما حصل في الهجمة التي تعرض لها العراق بعد العام 1991 حتى الان والكثير من البلدان ومنها ليبيا، كما أن الكثير من الاعلاميين الباحثين عن الشهرة والنجومية يعمدون الى تضخيم حجم بعض القضايا للفت الأنظار.
ويركز الكاتب العراقي المقيم في الولايات المتحدة نزار حيدر، في حديثه لـ»الصباح» على الدور السلبي للإعلام في تأجيج الحروب والصراعات، مبينا ان هذا الاعلام على نوعَين: الاول هو الذي يسيطر عليه تجار الحروب، والثاني هو الذي يسيطر عليه العنصريون والطائفيون.
يضيف حيدر: اجتمع الاثنان على العراق لتدميره بعد التَّغيير الذي شهده البلد عام 2003، عبر توظيف فتاوى التَّكفير التي انتشرت كالنار في الهشيم، او بواسطة تقديم الإرهابيِّين وتعريفهم كأبطال مقاومين يمارسون الجهاد.
يستدرك حيدر: بات الارهابي الذباح والقاتل الذي يحز الرؤوس ويغتصب النساء ويفجر نفسه وسط الحشود البريئة من المواطنين انموذجاً يُحتذى من قبل الشباب المغرر بهم الذين غسلت ماكينة الاعلام المضلِّل
أدمغتهم.
الفضائيات.. على سبيل المثال
الخبير القانوني والمحلل السياسي، علي التميمي يتحدث لـ {الصباح} عن تقنيات الاعلام الجديدة التي باتت مؤثرة بشكل واسع في المجتمعات، ومن ذلك ان الخطاب الإعلامي في العراق، بعد ظهور «الساتلايت» قبيل العام 2003 وانتشاره بشكل واسع بعد هذا التاريخ، أوقع الناس في حيرة المتابعة
لمئات الفضائيات، لكنه مع ذلك، أتاح تشكيل رأي عام جمعي. وبحسب التميمي فقد استثمرت دول في هذا التطور الجديد في الاعلام، فموّلت فضائيات ووسائل اعلام، لتكون منبرا لنشر الفوضى وأفكار التكفير، لاسيما في العراق.
يدعو التميمي الى تشريع قوانين في العراق، بدل القانون الذي تعمل به هيئة الإعلام والصادر في حقبة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، لكي تكون الرقابة اكثر شدة، وأكثر قوة، حفاظا على المجتمع من الانسياق وراء الأفكار والتحليلات التي تدسها الدول والجهات الممولة عبر وسائل الإعلام.