ثورة الحق والعدل

آراء 2019/09/13
...

وجدان عبدالعزيز
 
سأتناول قضية الامام الحسين عليه السلام من باب المنطق والواقع، بدلا من صبغها بصبغة غيبية مغلقة، كون هذه القضية اصبحت استثمارا انسانيا، فحينما خرج الامام من المدينة متوجها الى الكوفة، خرج ومعه الاف رسائل الولاء من عُلية ووجهاء القوم ورؤساء قبائل لها هيبتها، ودليلنا في خطبته الاولى
 لما نادى: ( يَا شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، يَا حَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ، يَا قَيْسَ بْنَ الْأَشْعَثِ، يَا يَزِيدَ بْنَ الْحَارِثِ، أَلَمْ تَكْتُبُوا إِلَيَّ أَنْ قَدْ أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ، وَاخْضَرَّ الْجَنَابُ، وَإِنَّمَا تَقْدَمُ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ؟ )، هذا اولا، وثانيا معه عقد صلح ما بين اخيه الحسن ومعاوية يحمل احقيته بالخلافة، ومن هنا خرج الامام محملا بهدف رئيسي مهم جدا، متمثلا بقوله:(إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق)، وما يقربنا للواقع اكثر، فهناك روايات تؤكد مفاوضات اجراها الحسين مع جيش يزيد لاجل تفادي حدوث المعركة فـ(في رواية البحار للعلامة المجلسي قدس الله روحه ان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لم يكن وحده مع عمر بن سعد لعنه الله، حيث حكى قصة اللقاء بقوله: 
(ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله: أني أريد أن أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين في مثل ذلك، فلما التقيا أمر الحسين عليه السلام أصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه أخوه العباس، وابنه علي الأكبر، وأمر عمر بن سعد وأصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه ابنه حفص وغلام له)، ومن ضمن مطاليب الحسين الرجوع للمدينة بدون قتال، وكانت عقلية الامام الحسين تُدرك انهم لم يتركوه يرجع، لكنه القى عليهم
 الحجة..اذن الامام الحسين برر قدومه للكوفة، ثم حاول القاء الحجة على القوم، لكن قوم يزيد اصروا على قتال الحسين، وفي اثناء هذا قال  قيس بن الأشعث: (أنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب)، فقال لهم الحسين العظيم : (لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد)، لماذا يقول هذا؟
لان هناك معطيات تمثلت بقوله:(أِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصَابَّةِ الْإِنَاءِ وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُنْتَهَى‏ عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ مُحِقّاً، فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا الْحَيَاةَ وَلَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً، إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ
 قَلَّ الدَّيَّانُون).
فالمعطى الاول كان الامام الحسين يستشعر الظلم الذي وقع على العامة في حكم معاوية، فكيف يقبل بحكم يزيد الخارج عن دائرة الاسلام بكل اشكالها، فالتحصيل هو قول الامام: (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق)، الغريب في هذه المقولة ان الحسين عليه السلام لم يقل فمن قبلني لأني حفيد رسول الله (ص) او اي من المميزات التي يتميز فيها الحسين،
 (ولكنه قال (فمن قبلني بقبول الحق)، لأن الحق هو الهدف الاساس من ثورته الجبارة، فالذي يزعم انه يحب الحسين عليه السلام ويندبه ويبكيه بكاءً مراً وهوعلى الباطل، فهو ممن لا يقبل الحسين بقبول الحق، لذلك فدعواه بحب الحسين، هي دعوى كاذبة وبكاؤه على الحسين، هو بكاء كاذب،
 فلينظر الانسان الى افعاله، فإن كان يقبل بالرشوة، ويأخذ العمولات على حساب مشاريع الدولة، ويعرقل معاملات المواطنين، ولا ينصر المواطن الضعيف، ويكذب في تعامله مع الناس، ويتحين الفرصة لسرقتهم والتحايل عليهم، ولا يخلص في عمله،  فليعلم ان حبه للحسين، حب كاذب وإن تصور انه يحب الحسين، وإن بكاءه على الحسين، وإن كان بحرقة فهو ليس ببكاء صادق، هذا الحسين مع الحق، فزيارته واحياء ذكره، زيارة واحياء الحق ونشر
 العدل بين الناس.