نموذج.. فؤاد خليل مفكراً وناقداً

ثقافة 2019/09/15
...

د. محمَّدحسين الرفاعي*
 

[I]
ولكن ما الذي يختلف في التَّساؤل في (داخل)السُّوسيولوجيا؟ وكيف يمارس فؤاد خليل بناء التَّساؤل السُّوسيولوجيّ مرَّةً أخرى؟
في الحقيقة، متى أخذت الحقيقة السُّوسيولوجيَّة كتعدد فهم يُبنى بالاِنطلاق وحدة العلاقة بين الاِتجاهات والمدارس والتوجهات داخل العلم، فإنَّ التَّساؤل السُّوسيولوجيّ عن الواقع المجتمعيّ ينتمي إلى المحطة الأولى من سلم بناء الفكرة العِلميَّة بشأن مفهوم الواقع المجتمعيّ. وهكذا، فإنَّ التَّساؤل السُّوسيولوجيّ لابُدَّ من أنْ يتوقف عند المحطات المَنْهَجيَّة الآتية: 
I- ينطلق التَّساؤل في السُّوسيولوجيا من التخلص من الفوضى المَنْهَجيَّة الناتجة عن الخلط بين مفهومي المجتمعيّ، والاِجتماعي. 
II- ولا يقوم هذا التَّساؤل إلاّ حينما نتوفر على المعاني التي من شأن كل مفهوم بمعزل تام عن المفهوم الآخر، في اللَّحظة المعرفيَّة الأولى.
III- في هذا الصدد يُميِّزُ المفكِّر بين مفهومي "المجتمعيّ"و"الاِجتماعي" على نحو بحيث يُصبح "الاِجتماعي" ضرباً من ضروب تجلي "المجتمعيّ" بوصف هذا الأخير مفهوماً كُلِّيَّاً شاملاً لموضوع العلم في السُّوسيولوجيا. 
 
[II]
متى أُخذ مفهوم نقد الواقع المجتمعيّ اِنطلاقاً من منطق الفهم الخاصّ بالسوسيولوجيا، نكون أمام النقد بوصفها هدماً بنَّاءً لجملة المفاهيم البَعدِيَّة Posteriori التي من شأنه. وهكذا، ينتقل فؤاد خليل من نقد الماركسيّة، ومن النقد الذاتيّللذَّات العربيَّة، إلى إعادة بناء المنهج في السّوسيولوجيا، في البلدان العربيَّة. في أعماله بعامَّةٍ، وفي عمله "الماركسيّة في البحث النقديّ- الراهنيّة، التّاريخ، النّسق" بخاصَّةٍ،(أنظر: فؤاد خليل، الماركسيّة في البحث النقديّ-الراهنيّة، التّاريخ، النّسق، دار الفارابي، 2010)، يقوم النّقد السُّوسيولوجيّ على أسس إبستيمولوجيَّة، هي، على أقل تقدير، الآتية:I- نقد الذَّات بوصفها أحد أطراف الثُنائيَّات العِلميَّة الأساسيَّة ينسحب إلى إعادة بناء الذَّات العِلميَّة- والآكاديمية، مرةً أخرى، وأخرى،II- إعادة بناء الموضوع، والموضوعيّة، ضمن [حقل- الفهم] الخاصّ بالسّوسيولوجيا، وسوسيولوجيا المعرفة، III- إعادة بناء التَّساؤل عن الموضوع، وإعادة بناء المنهج اِنطلاقاً من الفكرة، IV- إعادة بناء التَّساؤل عن الموضوع، وإعادة بناء المنهج اِنطلاقاً من الواقع المجتمعيّ.
 
[III]
في إعادة بناء المنهج، لابُدَّ من أنْ ينطلق التَّساؤل عن المنهج، سوسيولوجيَّاً، اِنطلاقاً من إبستيمولوجياالسُّوسيولوجيا، متى فهمت النظريَّات والمناهج العِلميَّة، [من- الخارج]، و[بَعْدَ- حينٍ]. وبما أن المنهج في السُّوسيولوجيا يقوم على وحدة المناهج في العلوم الأخرى، التي تضع موضوعها المجتمع والإنسان، والإشكالات، والإشكاليات التي من شأنهما، فإننا نجد لدى فؤاد خليل، إمكان بناء وإعادة بناء المنهج في الممارسة السُّوسيولوجيَّة وفقاً للمحطات المَنْهَجيَّة الآتية: I- فكرةاِجتماع البشر موجودةٌ في كلّ العلوم الإنسانيّة، وليست خاصّةً بعلم الاِجتماع. وهذه العلوم تمارس علميّتَها كما يفعل علمُ الاِجتماع، وتملك حبكةَ فهمٍ خاصّةً بها. وكلٌّ منها يصبّ اهتمامَه على فكرة مركزيّة: ففي الاِقتصاد، إنتاجُ البشر لحياتهم المادّيّة؛ وفي علم السّياسة، إدارةُ البشر لشؤون العامّة...إلخ.II- وعليه، فإنّ ما تبنيه العلومُ ينتقل إلى علم الاِجتماع، وإنّ المجتمعيّ الذي بناه الأخيرُ ينتقل من جهته إليها. III- وبالتالي تغدو العلوم الإنسانيّة متداخلة، لا حدود مصطنعة بينها، إذ إنّها جميعها تتشارك في فهم الواقع الإنسانيّ على قاعدة تميُّز كلّ منها لا على مستوى خصوصيّته. IV- حينذاك يصبح ضروريًّا أن تحلّ فكرةُ "تميّز العلم" محلّ فكرة "إستقلال العلم" أو "خصوصيّته.(أنظر: فؤاد خليل، المجتمع، النظام، البِنيَة- في موضوع علم الاِجتماع وإشكاليّته، دار الفارابي، 2008).
 
[IV]
أما فيما يتعلَّق بإعادة بناء السَّبيل المنهجي الخاصّ بالماركسية، (أنظر: فؤاد خليل، الماركسيّة في البحث النقديّ-الراهنيّة، التّاريخ، النسق، دار الفارابي، 2010)، فيتناول عِدَّة جوانب أصليَّة تتعلَّق بـ:
I- المنهج الديالكتيكيّ قد يصحُّ على صعيد حركة توالد الأفكار، انما على صعيد الواقع المجتمعيّ يفسِّر جانبًا من جوانب حركته. فحركة التّناقض في الأفكار لا تتماثل مع حركة التّناقض في الواقع وان تأثّرت بها.
II- المنهج المادّي التاريخيّ هو منهج في المعرفة العلميّة. وعلميّته تنبع من مفهوم إنتاج شروط الحياة الماديّة.
III- إن التّأصيل الذي أجرته الماركسيّة لهذا المفهوم في حقلها التاريخيّ المخصوص جعلها تندرج في الفكر العالميّ كعنوان بارز فيه.
IV- للماركسيّة اليوم حقل رئيس هو أزمة الرأسماليّة والديمقراطيّة في العالم.
 
[V]
وبشأن الفكر الماركسيِّ القوميِّالعربيّ، فإنَّه اِنطلاقاًمن منظور تاريخيّ معاصر، ومن جهة أنَّ المجتمعَ العربيَّ في الطور الاِنتقاليّالرّاهن يطرح قضيّة التحديث كأوّلية، فإنَّهُ يندرج في متنها:
I- النظام العربيّ وإشكاليّة بناء الدولة الوطنيّة الحديثة، السلطة العصبيّة وسلطة الدولة.
II- أزمة غياب الديمقراطيّة في الحياة السياسيّة العربيّة الحريّة والإستبداد.
III- حقوق الإنسان والأقليّات في الوطن العربي.
IV- عقلنة الرأسماليّة في الدولة العربيّة وترشيدها بالإنتاج وبناء المجال الوطنيّ الموحد.
V- إشكاليّة إندراج الثقافة العربيّة في الثقافة العالميّة المعاصرة الخصوصيّة والكونيّة.