من الغريب حقا أن تتعاطى الأطراف العربية بلغة دبلوماسية مع المنهج التوسعي لرئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، اذ ان تعهد هذا الأخير، بشأن ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية مع غور الأردن وشمالي البحر الميت إلى الأراضي الإسرائيلية. لم يواجه بأكثر من الرفض والخشية على عملية السلام من الانهيار، فيما راح البعض يتحدث عن ضرورات أملتها الانتخابات الاسرائيلية بهدف استجداء أصوات المستوطنين في تلك المناطق
وحسب.
مع ان نتنياهو مدعوما بمؤازرة حليفته الولايات المتحدة بوصفها الرائدة في انطولوجيا التوسع. ( يعتبر هذا التعهد داعما لمساعي، دونالد ترامب، قبل إعلانه خطة التسوية الأميركية للصراع في الشرق الأوسط، المعروفة باسم “صفقة القرن”، بعد أيام من الانتخابات الإسرائيلية)، وبهذا فانه يكشف صراحة عن طبيعة هذه الصفقة التي بقيت مبهمة في نظر الكثير من المراقبين، التي حاولنا قراءتها في مقالات سابقة، بوصفها صفقة في اطار الهيمنة على المنطقة تحت اشراف خبراء ورواد التوسع في
العالم.
وهنا يكون من المفيد ان نذكّر بحقيقة ان الكيانين الأمريكي والاسرائيلي ولدى من رحم (ديناميكية التوسع وجرائم الهيمنة)، اذ ان الأول تأسس في العام 1776 برقعة جغرافية محدودة لا تتعدى 13 ولاية، وقوة بشرية لا تزيد على الأربعة ملايين، بعد سلسلة طويلة من جرائم الإبادة بحق الأمريكان الأوائل، وقد نما هذا الكيان بسرعة فائقة، اعتمادا على مفهوم التوسع والهيمنة من دون رحمة، ليصبح في ما بعد أقوى دولة في العالم وأغناها خلال 150 عاما، ثم ازداد توسعا وهيمنة في السنوات التسعين الأخيرة، وبحسب المصادر التاريخية، انطلق رواد التوسع باتجاه المحيط الهادئ على حساب السكان الأصليين من الهنود الحمر، فهيمنوا على لويزيانا من فرنسا عام 1803 واستولوا على فلوريدا من إسبانيا 1819 ثم اجتاحوا المكسيك 1843 وهيمنوا على أقاليم كاليفورنيا ونيفادا، ويوتا، ومعظم أريزونا ونيومكسيكو وأجزاء من كولورادو وويومينج، بموجب معاهدة غوادالوبي هيدالغو في 1848. ثم ألحقوها بالهيمنة على تكساس، واستطاع رواد التوسع خلال فترة زمنية قصيرة أن يحولوا كيانهم من دولة صغيرة على سواحل المحيط الأطلسي إلى دولة تسيطر على المحيطين الأطلسي والهادئ، ثم بدؤوا اتحادا كونفيدراليا قبل أن يتحول إلى فيدرالي، وهكذا تشكلت حدود دولتهم الحالية واستقرت قبل أقل من 150 سنة، الا انها لم تكتف بهذه الحدود وراحت تتوسع عالميا عبر أدوات تكنولوجيا الهيمنة لتصل أخيرا الى الشرق الأوسط، وتقيم مشروعها الكبير بالتحالف مع كيان ظهرت ملامحه للوجود في العام 1947 بعد قرار تقسيم فلسطين عبر توطين يهود أوربا الذين تركو ديارهم بعد الحرب العالمية الثانية على الجزء المركزي من أراضي الشريط البحري والنقب والجزء الشرقي من الجليل ومرج ابن عامر (بحسب تاريخ نشوء دويلة اسرائيل)، ولكنها سرعان ما توسعت باتجاه مدينة يافا ومدينة بئر السبع، لتعلن عن كيانها في العام 1948 بعد نهاية الانتداب البريطاني على الأراضي الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين خاض كيان اسرائيل عدة حروب مع الدول العربية، واستطاع أن يحتل كل من الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وقطاع غزة عام 1967 ثم وسع قوانينه لتشمل القدس الشرقية، وها هو نتنياهو يلوح بضم أراض عربية جديدة بُعيد الانتخابات فهل هنالك ثمة شك في نظرية التوسع التي يقودها ترامب ونتنياهو بشأن صفقة القرن واقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
وهل هنالك فرصة للوثوق بهما ازاء امكانية تحقيق حلم اسرائيل الكبرى بأدوات القوة الناعمة، وفق اسلوب الاستثمار والشراكات الاقتصادية؟ وهل ستبقى ردود الأفعال في اطار دبلوماسي
ناعم!